من المسرحيات البسيطة، والعميقة ل«ألفريد فرج».. مسرحية «زواج علي ورقة طلاق» وهي مسرحية اعتمد فيها علي الميلودراما.. أو علي اسلوب السينما، وطريقة المخرج «حسن الإمام» في معظم أفلامه.. لكنه شحنها بمضمون جد مختلف.. والذي يؤكد فيه علي استحالة الزواج بين الطبقات.. علي عكس ما كان سائدًا في سينما الأبيض والأسود لدي «الإمام» وغيره.. والزواج السعيد بين ابن الباشاوات وبنت البسطاء، أو العكس صحيح.. وهو ما كان يطلق عليه بالنهاية السعيدة «Hapy end».. حيث الكل يبات هنىء البال.. مسرورًا.. بعيدًا عن الواقع وتعقيداته ومشاكله، والمجتمع وصراعاته وأمراضه! هل ياتري فيلم يسري نصر الله الأخير «الماء والخضرة والوجه الحسن» يأتي ليضىء لنا تلك المعادلة بطريقة أو بأخري.. ويضع أعيننا علي سر الارتباك الداخلي، والتوليفة بين السوق والفن ؟! أم أنه يأتى ليؤكد أن منطقة السوق التجارى ومعادلاته التى صكها المنتج «السبكي» في معظم إنتاجه السينمائي والتي تغرق المشاهد في ميلودراما فاقعة إن لم تكن خشنة وعنيفة.. قوامها البلطجي، والراقصة، والضحية.. من الصعب أن يستقيم مع سينما «نصر الله» التي تعتمد علي الذوق، وعلي فنية وتقنية عالية في صناعة السينما، وهو أحد أبناء «يوسف شاهين» في الإخراج.. وإن تنوعت أساليبه الإخراجية في محاولة منه للتقرب للجمهور.. وكأنه يجرب من أجل أن يحظي بالجماهيرية الواسعة والعريضة. الماء والخضرة والوجه الحسن.. فيلم من إنتاج «أحمد السبكي» ومن إخراج «يسري نصر الله».. وقد شارك في كتابة السيناريو مع أحمد عبدالله السيناريست الأشهر لإنتاج السبكي مؤخرًا! والفيلم مأخوذ عن فكرة ل«باسم السمرة».. فهل يا تري هذه التوليفة.. وخلط الشامي علي المغربي.. من الممكن أن تنتج فيلما له قوام مميز؟! أم أن إنتاجها الفني، شابه الارتباك، والتفكك و«التهويش» و«التهييس»!! فصار يضرب في اتجاهات متعاكسة حتي بدا في النهاية كمن يقوم بخلط الزيت بالماء ويرجهما جيدًا ليصنع منهما مركبًا واحدًا!! لكن إذ بالزيت ينفصل عن الماء ليسيطر علي السطح.. في حين يقبع الماء في الجزء الأسفل!! هكذا بدا الفيلم «المُصنع».. في مشهد استهلالي وتقليدي أيضًا.. ينم عن تشريح طبقة «النيوريتش» طبقة الأثرياء الجدد.. أو ما سميت قديمًا بطبقة الانفتاحيين الجدد منذ عصر السادات، وعصر الانفتاح «سداح مداح» علي حد تعبير الراحل الكبير «أحمد بهاء الدين» تلك الطبقة التي تحتفل بافتتاح مصنع «للتهليب» عفوًا «للتغليف»!! الطعام الجاهز واللحوم الجاهزة.. وتقوم بدعوة كبار القوم المتحالفين معها من المحافظ إلي رجال الأمن والأعيان.. وصاحب الدعوة هو الفنان «محمد فراج» وزوجته الفنانة «صابرين».. وهنا تبدو سخرية سينما «نصرالله» واضحة.. فى إبراز قبح هذه الطبقة فى الأزياء وطريقة الأكل حد أنهم يلفون الكفتة فى سلوفان ملون على طريقة «البون بون»!! إن المشهد الأول.. ما هو إلا بوابة تعيدنا على طريقة الفلاش باك أو التحليل التراجعى إلى تتبع المشكلة من الأساس.. وهى طمع هذا الانفتاحى فى أرض الطباخ الواقعة فى مدينة «بلقاس».. ويفاوض أصحابها، ويغرى الابن الأصغر الأيسر فى التفاوض بعقد سفر للسعودية كى يمرر الصفقة التى يرفضها الأب الطباخ الكبير «علاء مرسى» والذى يعتز بكرامته وإرثه ومعه الابن الأكبر «باسم سمرة».. وهما يرفضان الصفقة مهما كان الثمن.. لأن «أرض الطباخ» هى إرث الأجداد، وثروة الأحفاد.. وقد تكون مرادفة للوطن!! وبالتالى لا يمكن التفريط ببيعها أو المقايضة عليها.. ولقد شاهدنا عشرات الأفلام والمسرحيات.. تتعرض لهذه «التيمة» أو القضية.. وقد قتلت بحثًا كما يقولون فى السبعينيات والثمانينيات.. شاهدناها فى «دنيا البيانولا» لمحمود دياب وفى مسرحة «الزيارة» لدورنمات التى تهافت على تقديمها فى المسرح والسينما والتليفزيون. بتوالى الأحداث نكتشف أن المشهد الاستهلالى.. كان الخاتمة لتصفية الحساب بين أهل الطباخ بل وأهل القرية الذين تظاهروا بالموافقة على صفقة البيع.. كى ينتقموا من هذا «الفراج» القاتل.. الذى استأجر مجموعة من البلطجية كى يذبحوا طالب الجامعة والمطرب الشاب «محمد الشرنوبى».. ذبحوه لأنه تجاسر وتزوج بنت الآكابر شقيقة «فراج» بزواج عرفى كان الشاهد عليه باسم سمرة!! إن أصدقاء القتيل.. وفى مقدمتهم «باسم» و«أحمد داود» يتحالفان مع أهل القرية.. كى يفضحوا «فراج» وما ارتكبه من جريمة بشعة.. لكن الزوجة «صابرين» صاحبة الوجه البشع للثروة والثراء.. تحاول أن تبث الرعب فى هذا التحالف الكبير.. وتحوله إلى مشهد عبثى أشبه بفيلم الطيور لمخرج الرعب «هتش كوك» فبدلا من أن تطارد أسراب الطيور أسراب البشر على الأرض.. إذا بالمخرج «نصر الله» يستبدل الطيور بأسراب غفيرة من «النحل» تطلقها «صابرين» من خلاياها العديدة.. حتى يحيل انتصار أهل البلد إلى هزيمة لكنهم يحولونها إلى كوميديا زرقاء.. عندما يقذفون بأنفسهم تباعًا وأفواج إلى البحيرة الكبيرة.. ليلتئم شمل العشاق.. ليلى علوى مع باسم سمرة، ومنة مع داود.. أو ليس هذا هو الهبى إند ؟! لا أحد ينكر أن الفيلم سعي إلى إضاءة مواطن للبهجة.. حاول أن يقترب من أفراح القرية.. من الفلكور الشعبى.. من الطقوس الهجينة فى تلك الأفراح.. أغانى بوليود أو الهندية التجارية.. والمهرجانات.. ووسط الطقوس.. حاول أن يكشف عن العلاقات السرية.. بين أهل الفرح والطباخ «داود».. وبين كبير الطباخين «علاء مرسى» ذلك المعتز بكرامته.. عندما يراود امرأة على نفسها مقابل علبة «أناناس» فإذا به يدفع «روحه» ثمنها!! والمدهش فى الوصية يدفع بأبنائه وأحفاده إلى الاحتفاء بالحياة.. لا للسرادقات.. ونعم للاستمتاع الحر بالطبيعة وسحرها! والفيلم فى النهاية.. إذ هو جمع مجموعة لا بأس بها من النجوم منة شلبى، ليلى علوى، باسم سمرة، صابرين، داود.. فقد جمعهم ليزيدوا رصيده التجارى لا الفنى وكأن السبكى يؤكد أنه قادر على تجميع هؤلاء.. بقدر ما كان قادرًا على زج الأغنية العبثية ل«محمود الليثى» المطرب الشعبى الأشهر فى انتاج السبكى وتلك الراقصة «البشعة»!! وكأن السبكى يؤكد للجميع.. أنه موجود بفلوسه رغم أنف اللمسات الجمالية المتفرقة فى جسد الفيلم وهى من صنع «نصر الله».. والتى سرعان ما تبددت وتطايرت وصارت قبض الريح.. مع توالى قرص النحل الذى أطلقته الثرية العجوز «صابرين» على الجمهور بالأساس قبل أن تطلقه على أهل القرية فى الفيلم !!