التتريك هو مصطلح يطلق على عملية تحويل أشخاص ومناطق جغرافية من ثقافاتها الأصلية إلى التركية بطريقة قسرية. فمثلًا دعوة آردوغان فى مؤتمر شعبى حضره اللاجئون السوريون بتجنيس هؤلاء تُعد امتدادًا لسياسة التتريك ولذلك لم ينظر أردوغان اثناء إلقاء دعوته إلى السوريين بل ذهب ببصره إلى الحدود السورية. بدأت حركة التتريك تجسيدًا لإحياء القومية التركية بجمعيات سرية داخل الدولة العثمانية ووجدت قبولًا داخل الجيش التركى من غلاة العلمانية أمثال مصطفى كمال أتاتورك الذى انضم إلى جمعية الاتحاد والترقى وقادها إلى انقلاب 1909 على السلطان عبد الحميد الثانى وتحويل السلطنة إلى ملكية دستورية قبل تأسيسه لجمهورية تركيا الحديثة 1923. الجيش التركى كان ناقما على الدولة العثمانية التى زجت به فى حروب للدفاع عن العرب التى لا تربطه بهم سوى الدين فقط وهو شعور انتقل للأتراك فى الشارع فحملوا العرب مسئولية الثورات التى اشتعلت ضد الدولة بعد أن انتقلت شعارات القومية إلى الجمعيات العربية ضد سياسات التتريك التى طمست الثقافة واللغة العربية فكانت الثورة العربية الكبرى 1916 وسقوط الدولة العثمانية إذانًا بصعود التيار العلمانى بقيادة أتاتورك فى مواجهة التيار الإسلامى . تركيا وريثة الدولة العثمانية لاقت مصيرها من سايكس بيكو بمعاهدة سيفر 1920 والتى دقت المسمار الأخير فى نعش تفككها وانهيارها بسبب شروطها القاسية، إذ تضمنت المعاهدة التخلى عن جميع الأراضى العثمانية لغير الناطقين باللغة التركية، إضافة إلى استيلاء الحلفاء على أراض تركية، فاندلعت حرب الاستقلال التركية، كمقاومة عسكرية وسياسية قادها القوميون الأتراك بزعامة أتاتورك. وأجبرت الحملات التركية العسكرية على تخلى الحلفاء عن معاهدة سيفر والتفاوض على معاهدة لوزان بسويسرا 1923، والتى سمحت للأتراك بتشكيل جمهورية تركيا فى الأناضول (آسيا الصغرى)، وفى تراقيا الشرقية الواقعة بالجزء الأوربى فى غرب تركيا (اسطنبول)، مع ضم جزء من الأراضى العربية السورية عرفت باسم الأقاليم السورية الشمالية (لواء الاسكندرون) استرضاءً لتركيا مقابل اعترافها بالانتداب الفرنسى على سوريا وسميت بعد ذلك بمقاطعة هيتاي. وهذه المناطق تحديدا شهدت التحليق الروسى بطائراته الحربية مع التدخل العسكرى فى سوريا، أكتوبر 2015، وكأنما أراد بوتين تذكرة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بأحقية سوريا فى مقاطعة هاتاي. فسوريا لم تعترف يومًا بشكل رسمى بفقدان هاتاى ومجتمعها العلوى الكبير هناك. أحكمت علمانية الجيش التركى سيطرتها على الجمهورية الوليدة ونفذت 4 انقلابات عسكرية فى تاريخ تركيا الحديث كان أهمها انقلاب 1980، حينما أعلن ضباط الجيش فرض الأحكام العرفية وحكم الجيش للبلاد مدة ثلاث سنوات قبل تعيين كنعان أورن رئيساً لتركيا، وتوركيت أوزال رئيسا للوزراء الذى أصبح رئيسا للجمهورية 1989 إلى أن تم قتله بالسم 1993. أوزال يُعد مؤسس الجمهورية التركية الحديثة الثانية بنهضة اقتصادية كبرى تحققت بفضل عدوى الخصخصة التى انتقلت إلى مصر فيما بعد، وبانفتاح على التيارات الإسلامية والكردية. بدأ نجم فتح الله جولن الأب الروحى للإسلام الاجتماعى فى الصعود مستغلًا مساحة الحريات التى أطلقها توركيت أوزال وتحولت حركة جولن من حركة سرية إلى حركة تمتلك 500 مدرسة حول العالم تمثل تيار الإسلام اجتماعى الذى يعتنق الصوفية. 200 مدرسة داخل تركيا بخلاف عشرات الصحف والمجلات ومحطات فضائية والعديد من المصانع، إذ قُدرت ثروة جولن بنحو 25 مليار دولار أتت من تجارة الهيروين من أفغانستانلتركيا حُملت أموالها لخزائنه عبر طائرات ال«سى.آى.إيه» وفق سجلات المحكمة الأمريكية. هذه الأموال بنت جدران حزب العدالة والتنمية برئاسة تلميذه النجيب أردوغان الذى طالما نادى عليه بالعودة من منفاه بولاية بنسليفانيا بأمريكا قبل أن ينقلب عليه عام 2014 بعد أن كشف نفوذ جولن داخل تركيا عن حجم الفساد المالى فى نظام أردوغان. ما تتميز به حركة جولن عن باقى الحركات الإسلامية فى العالم هو أنها غالبا تلقى ترحيبًا كبيرًا من الغرب. إذ تعتبر هى النموذج الذى ينبغى أن يُحتذَى به بسبب انفتاحها على العالم، وخطابها الفكري. فمثلا إذا كان نجم الدين أربكان يرى أمريكا عدوًّا للعالم الإسلامى بسبب تحكُّم الصهيونية العالمية فى صنع القرار فيها.