لا يتوقف التاريخ كثيرًا عند صغائر الأمور والأشخاص.. نعم، ينظر لهم بطرف عينه، مستغربًا، ومستهجنًا (مخططاتهم ومؤامراتهم)، لكنه يتجاوزهم مسرعًا، حتى يبسطَ صفحاته على اتساعها، احتفاءً بالأعمال الجليلة، لاسيما إذا كانت هذه الأعمال وطنية.. وقومية. أيضًا يكون التاريخ كريمًا ومعطاءً لمن يهبون أنفسهم للأمل والعمل بتجرد.. وبقدر إنكار أصحاب هذه الأعمال لأنفسهم وجهودهم الدءوبة، فإن سطور التاريخ وصفحاته تواصل البحث والتنقيب عنهم، حتى توثق إنجازاتهم وانتصاراتهم، على نسبيتها واستثنائيتها. وفى كل خطاباته (قبل وبعد انتخابات الرئاسة) حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى، على إعلاء قيمة التجرد، والبعد عن «الأنا».. يكررها أحيانا، بهدف «النفى»، لا «الإثبات».. يقينه ويقين كل مَنْ يعرفه، أنه لا يبحث عن زعامة وهمية أو إنجازات تليفزيونية، لا تخدم الناس مباشرة، أو يستفيدون من نتائجها لاحقًا. ومنذ اللحظات الأولى لتحمل المسئولية (المعنوية ثم الرسمية)، راح «السيسي» يحشد الشعب (كل الشعب الراغب فى أن تكون بلاده فى مكانتها اللائقة)، مستخدمًا فى استنهاض الهمم، جملته الشهيرة «يا مصريين»، تعبيرًا عن تقديره لأهمية العمل الجماعى، بعد ثورة 30 يونية، لاسيما أن الثورة أكدت مجددًا، أن الاصطفاف الشعبى يقهر تنظيمات حديدية ومخططات دول كبرى. وفى جلسات ولقاءات جمعتنا به (قبل، وبعد الثورة)، حدد الرئيس «السيسي»، طبيعةَ المرحلة، وما يتطلبه الحاضر، حتى تدخل مصر للمستقبل.. استحضر (وهو يخاطب كل القادة والمسئولين والمثقفين والإعلام)، ثنائية: «أعينوني» و»قوِّمونى».. لم تكن رسالته للحاضرين فى اللقاءات المشار إليها، لكنها كانت توجيهًا لكل المسئولين، ولكل شخص ينحاز لمؤسسات وطنه. كانت عين الرئيس (دون خوف أو قلق)، على أخطاء متعددة شهدتها عقود سابقة فى مسيرة الدولة المصرية، إلى أن ثار الشعب على عنوانها الأهم (عهد مبارك)، ونسختها المعدلة (حكم الإخوان). ولأنه عهد جديد، لا مجال فيه للمجاملات، أو «شيِّلنى وأشيِّلك»، ولأن كلًا منَّا فهم رسالة الرئيس السيسى (أعينونى، وقوِّمونى)، على طريقته وبأسلوبه فى المعالجة، فقد كانت هناك محاولات (على الأقل من الإعلاميين والسياسيين)، لم تخل من أخطاء، أسهمت الحالة المتوترة (التى تعيشها مصر)، فى أن تتحول بعض المعالجات (السياسية، والإعلامية) إلى عبء جديد، بدلا من أن تساهم فى إيجاد حلول! كنَّا (كما الرئيس السيسي)، ندرك خطورة المرحلة الفاصلة التى عاشتها مصر قبل يناير 2011.. أقصد سنوات «التهويل» فى ادعاء الريادة و»التهوين» فى التعامل مع المشكلات، خاصة أنه عندما حانت لحظة الحقيقة بعد الثورة، تكشف للجميع، أن المشكلات باتت أكبر من الحلول، وأن بعضها تجاوز مرحلة العلاج.. ومات إكلينيكيًا!! أتحدث عن وزارات ومؤسسات، وأحزاب ونقابات وإعلام دولة، بعدما تعرضت جميع القطاعات فى مصر (على مدى سنوات)، لعملية تخريب ممنهجة، كانت فى واقع الأمر انعكاسًا واضحًا لسنوات عجاف فى مسيرة الدولة، ومبررا مهما لانتفاضة الشعب المصرى، دفاعًا عن كينونته فى يناير 2011. المثير أن الشعب أعطى الفرصة لقوى وتيارات سياسية وتنظيمية، عاشت عقودًا تقتات على «المظلومية» واستعداء الأنظمة.. كان الشعب ينتظر من هذه القوى أن تترجم شعاراتها البراقة، وتفعِّل أهدافها المعلنة بعد ثورة يناير 2011، لكن مَنْ تصدَّروا المشهد لم يفهموا طبيعة المصريين، فتواصلت أخطاؤهم.. فحقت عليهم الثورة مجددا فى 30 يونية 2013. كانت تلك «الهبة الوطنية» إعادة نظر فى مسار الدولة وإنقاذ مؤسساتها، حتى لا تستمر سنوات «التيه السياسي».. وكان من الطبيعى أن يكون الإعلام حاضرًا ومشتبكًا، حسب رغبة الرئيس، وإذا كان البعض (ولهم الحق)، يلوم على حدوث تجاوزات، فالمؤكد أن الإعلاميين كان لهم دور مهم فى كشف خصوم الشعب، وفضح أعدائه، مع الاستمرار فى مؤازرة المؤسسات عبر مواجهة الفساد والتجاوزات.. وكل ما يعيق المسيرة الجديدة. لذا، استلَّ خصوم وأعداء الدولة المصرية (فى الداخل، والخارج)، خناجرهم المسمومة، لمهاجمة الإعلام (كل الإعلام).. خلطوا «بعض الحق» ب»كل الباطل».. لا ننكر أن ممارسات بعض ممن ينتسبون لهذا القطاع (الإعلام الرسمى، والحزبى، والخاص)، منحوا الخصوم والأعداء الفرصة، لتدمير سمعة الإعلام، بعدما أدركوا قوته ودوره فى دعم مؤسسات الدولة، لاسيما بعدما تحولت الخلافات السياسية إلى صراعَ وجود بين دولة تسعى (بجد واجتهاد) للحافظ على أمنها القومى وقوى وظيفية تسعى (بطرق متعددة)، لاستعادة سلطة حصلت عليها فى ظروف استثنائية. الآن، أصبحت الوقفة مع النفس مطلوبة من الجميع، عبر إعادة النظر فيما هو حاصل، وما سيكون.. يجب علينا أن نبحث عن المشترك بين الشعب والمؤسسات الوطنية، كى نمد الجسور، ونقرب الرؤى، ونطرح الحلول (الموضوعية.. العملية) للإنقاذ.. فى هذه الحالة سنتجاوز مرحلة «اللاسلم واللاحرب» فى التعامل مع المسكوت عنه، من أزمات وملفات، خاصة أن الخلاف بين المصريين حول «الأساليب»، لا «الغايات».