جوانب معينة من الحياة والطبيعة لا يمكن اعتبارها سلع قابلة للبيع والشراء – الماء والهواء الصحة والتعليم ، الثقافة والتراث والحضاره والافكار كلها عناصر جوهرية ليست للبيع ولم يكن من المتوقع ان تكون في يوما ما محلا للجدل ولكن الواقع المحيط فرض علينا اشكالا ومعاييرا جديده فتحولت الحقوق والحاجات الانسانيه الي سلع تباع وتشتري ولها عرض وطلب وتناسو أن بعضها يعد ميراثا ربانيا فهي جزءا من الإرث المشترك وحقوقا عامه لكل البشر مصداقا لقوله صلي الله عليه وسلم (الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار ) ولم يقتصر الأمر علي هذا فامتد التسليع ليشمل مناحي جديدة من الحياة فمع توسع سيطرة الشركات الكبرى علي أسواق العالم ظهرت صناعات جديدة لتتاجر بما تبقي من العناصر الأساسية في حياتنا ونذكر علي سبيل المثال الصناعات البايوتكنولوجية التي قدمت نفسها علي أنها "علم الحياة" فبدأت شركات مثل مونسانتو ونوفاريتيس بتحويل البذور والجينات إلي بضاعة يمكن بيعها وشراءها علي أنها أغذية مطورة جينيا ومنتوجات صحية وهو نفس ما قامت به شركات المياه التي قامت بتسليع المياه لكل قادر علي شرائها . في عام 2000 في مدينة هيج الهولندية ضمن اجتماعات المنبر الدولي للمياه . طرحت فكره بيع المياه في الاسواق العالميه كالبترول (سلعه استراتجيه ) اهتم فى هذا المؤتمر العديد من الدول وخاصه دول المنابع ومنظمة المياه العالمية و البنك الدولي وهما يقدما المساعدات الفنية والمادية للشركات الصناعية الكبرى فى العالم علاوة على الشركات الكبرى في العالم المختصة بالمياه وهى غالباً ما تهدف الى الربح من خلال بيع المياه في الأسواق العالمية واهتم المؤتمر أيضا بتعريف المياه ك "حاجة" أم ك" حق"ومحاولة تحديد من المسئول عن ضمان حصول البشر على الماء – جوهر الحياة-؟ السوق أم الدولة ؟ الشركات أم الحكومات ؟ و في النهايه توصل الى ان الماء "حاجة" إنسانية يمكن من خلاله للقطاع الخاص عبر نظام السوق تحمل مسؤولية توفير وإيصال هذا المورد الجوهري لحياة البشر مقابل حصوله على الأرباح أما وزراء الموارد المائية فقد تحولوا إلى شياطين خرس ولم يعترضوا على هذا التعريف خصوصا وإنهم على علم بأن التعريف الأخر ، الماء حق إنساني يعنى أن على أن توفر الحكومات لشعوبها هذا المورد الحيوي بشكل عادل وغير ربحي وهو ما يتعارض مع رياح العولمة التي تجتاح العالم أما تسليع المياه بصور خاصة فقد اعتبر هجوما صريحا وسافرا علي السلع العامة المشاعة دون مقابل حيث أشار التقرير الذي أصدرته مؤسسة الأبحاث العلمية والتكنولوجية والبيئية (منظمة غير حكومية مقرها في نيودلهي) إلي أن المياه في الهند هي "الحياة نفسها فكل تقاليد الهند وتراثها يعتمد أساسا عليها فالمياه هي "شريان المجتمع " وبالتالي فهي ارث مشاع ومقدس يتوجب المحافظة عليه . فهل يمكن بعد كل هذا أن يتحول الى سلعة تشتري وتباع في ظل الاقتصاد المعولم ففي الهند مثلا وبفعل ضغوط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لاستحصال ديونها من الهند اضطرت الحكومة الهندية إلي بيع حقوق استغلال المياه إلي الشركات العالمية والشركات الصناعية الكبرى التي تستهلك كميات هائلة من المياه في مصانعها ونتج عن هذا استغلال غير طبيعي لموارد المياه وتحول "الإرث المشاع" إلي "ملكية خاصة" . وبالقياس علي الوطن العربي نجد أن 60% من مياهه تاتي من خارج اراضيه لذلك ليس له السيطره الكامله علي مياهه وتعالت سياسات التسعيروالتي ظهرت من قبل الدول المسيطره علي المياه( أثيوبياتركيا غنيا الصومالالسنغالأوغنداايران) تحت رعايه البنك الدولي ومنظمه الفاو ودخول اسرائيل كفاعل محرض معلنه (اسرائيل احتاجت في الحرب السلاح وفي السلم تحتاج المياه ) وكان المخطط (السمات المميزة لإجماع واشنطنWashington Consensus )هو ضرورة الاستحواذ علي المؤسسات العامة المعنية بالمياه لكي تتم عملية تسليع المياه فجرت العادة أن تكون مؤسسات تنقية المياه وإيصالها إلي المستهلك من ملكية الحكومات المركزية في بعض البلدان أو من ملكية الحكومات المحلية أو المجالس البلدية في بلدان أخري لكنها اليوم تخضع لملكية شركات كبري غالبا ما يكون أصحابها من الأجانب بهدف صريح وهو كسب الإرباح ومن خلال عملية خصخصة المياه هذه تحولت المياه إلي سلعة جري تسعيرها وعرضها في الأسواق لتشتريها من هو قادر علي دفع ثمنها . إن عملية خصخصة المياه تجري عادة في ثلاثة أشكال الأول تقوم فيه الحكومات بالبيع الكامل لمؤسسات الدولة المعنية إلي الشركات الخاصة مثلما حصل في بريطانيا والثاني يتبع نموذجا جري تطويره في فرنسا تحصل الشركات الخاصة بموجبه علي حق الإيجار لمؤسسات الدولة المعنية بإيصال مياه الشرب إلي المواطنين وتتحمل فيه الشركات كافة تكاليف التشغيل والصيانة مقابل حصولها علي كافة الأموال التي يدفعها المواطنون والاحتفاظ بالإرباح لنفسها . أما الشكل الثالث فهو نموذج أكثر تقييدا حيث تتعاقد بموجبه الشركات الخاصة مع الحكومة لإدارة عملية خدمة المياه مقابل حصولها علي أجور ولا يمكنها الاحتفاظ بالأرباح لنفسها وبرغم أن جميع الأشكال الثلاثة تحمل في طياتها بذور الخصخصة إلا أن الشكل الثاني هو الأكثر انتشارا وهو ما يعرف اليوم بالقطاع المشترك . إن التحول من القطاع العام إلي الخاص يقدم مجموعة من القضايا التجارية التي تحكم عملية إيصال الخدمات المائية ، والقصد أن الشركات الخاصة والمستثمرين فيها لا هم لهم سوي زيادة الإرباح أما استمرار توفر المياه وحقوق المواطنين في الحصول علي مياه نقية فإنها من الاهمية للمستثمر طالما تتحول المياه إلي بضاعة فان السوق وقانون العرض والطلب هو المتحكم الأول فيها .وفي النهايه يمكن القول بان كل شئ الآن قابل للبيع للحصول علي المزيد من الإرباح بما فيها الارث الرباني والحاجات الانسانيه