*باستثناء ورقة النقاش الصادرة عن الحزب الوطنى، لم أتمكن من متابعة أى كتابات حول مشروع قانون «إدارة الأصول المملوكة للدولة» كما لم أشاهد أى برامج أو ندوات حوله، لتغيبى فى الخارج، وأول ما لفت نظرى بعدما عدت وقرأت ورقة الحزب هو العنوان الذى ربما يعطى إيحاءات خاطئة عن الموضوع، فما الموضوع -كما هو ظاهر من ورقة النقاش- إلا اقتراح بتطبيق نظام الخصخصة بالكوبونات «القسائم» أو الصكوك كما يطلقون عليها، لبعض شركات القطاع العام، وهو أسلوب تم الأخذ به فى دول عديدة، وكان له نتائج سلبية على بعضها، وإيجابية على البعض الآخر، فالعبرة بمدى ملاءمته للظروف الاقتصادية الداخلية والخارجية ولطبيعة الشعب والأهداف المبتغاة من تطبيقه. *إذن، فنظام الخصخصة «بالصكوك» ليس جديداً ولا مبتكراً، وأشكال الخصخصة عديدة، منها خصخصة الإدارة مع الاحتفاظ بملكية الأصول للدولة، ومنها البيع الجزئى لمستثمر رئيسى، ومنها البيع للعمال والإدارة، ومنها الطرح للاكتتاب العام فى البورصة، ومنها البيع الكلى المباشر، ويتوقف اختيار الدولة لنظام الخصخصة على مدى ملاءمته لاعتبارات وظروف وأمور كثيرة ولتحقيق أهداف بعينها. والاقتراح باستخدام نظام الخصخصة «بالصكوك» فى ظل الظروف الحالية يحقق أهدافاً ليس من بينها تحسين مؤشرات أداء الشركات ولا زيادة الكفاءة الاقتصادية أو الإدارية لها ولا توسيع قاعدة المشاركة الشعبية فى اتخاذ القرارات الإدارية لهذه الشركات، كما أنه ليس النظام الأمثل لضمان حقوق الأجيال القادمة، فهو إذن لا يحقق أياً من الأهداف المذكورة فى ورقة نقاش الحزب الوطنى. * إن المشروع المطروح «الخصخصة بنظام الصكوك» عادة ما يستخدم فى حالة الرغبة فى تحويل سريع لنسبة كبيرة من أصول القطاع العام وشركاته إلى مجموعة كبيرة من الأفراد لإنشاء قاعدة عريضة لاقتصاد السوق الحرة، وليسهل على الحكومة عملية الخصخصة، بالإضافة إلى أن إشراك الشعب وجعله وسيطاً فى طرح هذه الأصول والشركات فى السوق الحرة «بيعها» يجنب الحكومات الاتهامات بعدم الشفافية فى عملية الخصخصة، فتكون العملية بيد الشعب لا بيد الحكومة أو عمرو. وعلى العموم فإن اختيار الأسلوب الأمثل للخصخصة يتوقف على مدى ملاءمة مسائل كثيرة لتطبيقه ليس من بينها تخفيف الصداع عن الحكومة، أو تملصها من مسؤولياتها. *يقال إن الحكومة سوف تتقدم بمشروع القانون إلى مجلس الشعب خلال أيام، وسوف يقوم «عقل الأمة» «المجلس» بدراسته، ونحن ننتظر من أعضاء مجلس الشعب أن يجعلوا مصلحة المواطن البسيط نصب أعينهم، وهى ليست بالضرورة فى منحه كوبوناً ب100 أو 200 جنيه أو حتى 400، غالباً ما سوف تنخفض قيمته إلى النصف بعد إصداره، وسوف يستلزم ذلك منهم دراسة تجارب العديد من الدول مثل روسيا ثم النزول إلى دوائرهم لعقد المؤتمرات والندوات وإدارة المناقشات واستطلاع الآراء، فالمصلحة الشعبية العامة تعلو على المصالح الحزبية. فالمواطنون متشككون، ووصل الحد ببعضهم إلى الشطط فى الظن، وهذا فى رأيى هو أخطر ما فى الموضوع إذ يبين مدى فقدان الثقة بين الشعب من جهة، والحكومة والنواب من جهة، وهى حالة من السهل رصدها ومن الصعوبة بمكان علاجها. * أما المواطن المصرى البسيط، فعليه من الآن أن يبحث عن معان لمصطلحات ربما تكون جديدة عليه مثل «الصك» و«السند» و«المحفظة الاستثمارية» و«السهم» و«حقوق الأقلية» وخلافها من المصطلحات لتساعدهم على الفهم والتعامل مع نظام الخصخصة الجديد، فهذا النظام له آليات تبدأ بنشر قائمة بمجموعة الشركات المراد خصخصتها، ومعلومات عن أدائها المالى، وقيمتها الدفترية، وديونها العامة، ويحق لكل المواطنين فوق السن القانونية الحصول على كوبونات مجانية يمكن تحويلها مباشرة إلى أسهم فى هذه الشركات، أو استثمارها فى صناديق الاستثمار للخصخصة والتى بلا شك سوف تظهر بعد إقرار القانون وبشكل مستقل كما ظهرت فى الدول التى انتهجت هذا النظام. * أنا غير واثق فى أن عدالة التوزيع التى طالب بها رئيس الدولة سوف تتحقق من خلال تطبيق هذا النظام، ربما الموضوع يحتاج إلى الرجوع إلى تجارب عديدة انتهت بسيطرة المستثمرين المتربصين بأصول الدولة بأرخص الأسعار، وتحول المواطنون فيها إلى ناقل جيد للملكية وعامل موصل للخصخصة، ولعل عدالة التوزيع يمكن أن تتم عن طريق إعطاء المواطن حصة سنوية من ريع الموارد الطبيعية من النفط والغاز، ومن ريع مشروع بالغ القدم هو قناة السويس. فالحكومة الكفء لا تعتمد فى تمويل إنفاقها على ريع الموارد الطبيعية والتى قد تتواجد فى بلد ولا تتواجد فى بلد آخر، إنما تعتمد الحكومات فى الأساس على تطوير وتوسيع النشاط الاقتصادى وعلى إيرادات الضرائب على الأرباح، وعلى التجارة الخارجية والداخلية، وعلى الفائض المحول من القطاع العام، وفى كل الأحوال فإن الموارد الطبيعية مملوكة لكل أفراد الشعب بالتساوى، وإن كانت الحكومة ترى أن بيع هذه الشركات لا مناص منه، فلتقم هى به، وتوزع إيراداته على المواطنين، فهى الأقدر على الحصول على أعلى الأسعار له لا المواطنون أصحاب الكوبونات. *ميت يزيد.. ميت حلاوة.. ميت بشار.. ميت سباع.. ميت.. ميت نصيبة على القرى المصرية، الأرياف أصبحت أحراشاً وعشوائيات: تلوث خانق، وفقر مدقع وذباب وحشرات، طرق يستحيل السير فيها، والمدارس حدث ولا حرج، الحمام فى بعضها عبارة عن حفرة فى آخر الفصل تلفه ستارة. فى الأفلام القديمة كان الأطباء ينصحون المرضى بالذهاب إلى الريف لاستنشاق الهواء العليل والاستشفاء من الأمراض، وكانت الأغانى عن الريف والفلاحين يتغنى بها المطربون. أجمل ما فى بلاد العالم أريافها إلا نحن، اختصرنا مصر فى القاهرة، فنزح أهل الريف عنه إلى الحضر، إلى القاهرة، وتركوه يتحول من ريف منتج إلى قرى مستهلكة.