فى المؤتمر السنوى للحزب الوطنى، الذى انعقد أول نوفمبر الماضى، اتهم جمال مبارك، أمين لجنة السياسات فى الحزب، أحزاب المعارضة بأنها لا تقدم بدائل حين تتكلم عن مشاكل البلد، وهو اتهام غير صحيح على إطلاقه! وربما يكون أقرب دليل على ذلك، هو موقف حزب الوفد على سبيل المثال من موضوع الملكية الشعبية لأسهم الشركات المملوكة للدولة... فالوفد لديه أفكاره المصاغة فى ورقة مكتوبة، وعنده موقف محدد من الموضوع، وهو موقف قام على دراسة، واستند إلى برنامج الوفد المعلن عام 77، ثم رؤيته الثابتة من قضية الخصخصة إجمالاً، التى كان قد أعلنها فى وثيقة صادرة عام 1992. يتحفظ الوفد على مشروع الملكية الشعبية، الذى أعلنه الحزب الوطنى صباح 9 نوفمبر، وتقوم تحفظاته على أسباب دستورية، وأخرى اقتصادية، بما يعنى أن هناك فى الوفد، من قرأ المشروع، ومن توقف أمام تفاصيله، ثم صاغ رؤية عامة فيه. ومن بين التحفظات الدستورية مثلاً أن توزيع الأصول المملوكة للدولة، دون مقابل، يتعارض والمبدأ الدستورى العام، وعلى وجه التحديد المادة 33 من الدستور، التى تنص على أن للملكية العامة حرمة، وأن دعمها وحمايتها واجب على كل مواطن، وكذلك يرى الوفد أن توزيع الصكوك المجانية على المواطنين،الذين بلغت سنهم 21 عاماً، عند تنفيذ البرنامج دون غيرهم إخلال بمبدأ المساواة بين المواطنين، خاصة أن أهلية الوجوب تثبت للفرد بمجرد الميلاد، كما أن المادة 40 من الدستور تؤكد أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات! هذه مجرد عينة، من تحفظات الوفد، كحزب على المشروع، من الناحية الدستورية... أما التحفظات الاقتصادية فمن بينها، أن المشروع المقترح لا يحقق أياً من الفوائد والأهداف التى تتوخاها الدول، من وراء نقل الملكية العامة لوسائل الإنتاج، إلى القطاع الخاص.. فلن تتحسن كفاءة إدارة الشركات وإنتاجيتها، إذ ستظل خاضعة لشركات قابضة تسيطر عليها الإدارة الحكومية، ولن يتحقق أى إيراد للخزانة العامة، يمكن الاستفادة منه للنهوض بمستوى التعليم والصحة وغيرهما ولن تتحقق المشاركة الشعبية المرجوة، لأن المواطن صاحب السهم المجانى لن يستطيع ممارسة حق الملكية بحضور الجمعيات العامة للشركات ومراقبة إدارتها. هذه وغيرها تحفظات، وتخوفات من الوفد، ينتهى منها، إلى أنه من غير الملائم طرح المشروع فى ظروف أزمة اقتصادية عالمية، تهدد استقرار الأسواق المحلية والدولية. ويقطع الوفد، فى نهاية ورقته، عهداً على نفسه، بأنه سوف يسعى من خلال حوار موضوعى مع سائر الأحزاب، وأهل العلم، والنقابات، واتحاد الصناعات، والغرف التجارية، وجمعيات رجال الأعمال، لإيجاد بديل أفضل للمشروع! وربما تكون أولى خطوات صياغة هذا البديل، هى الندوة الموسعة التى دعا إليها الوفد، وحضرها عشرات من أهل العلم والاختصاص بينهم أساتذة اقتصاد بارزون، ووزراء سابقون، وكانوا جميعاً لديهم رؤية أعلنوها فى حينها! وإذا كانت الدولة تدعو دوماً، إلى قبول الآخر، فالأدعى أن تتقبل هى على هذا المستوى الرأى الآخر، وأن ينظر الحزب الوطنى إلى اجتهاد الوفد، على أنه كلام جاد، ينبغى أن يؤخذ فى الاعتبار، لأنه فى كل الأحوال سوف يمثل إضافة، بشكل أو بآخر، إلى المشروع. فالحزب الوطنى، بطبيعته يفتقد الرأى الآخر فى داخله، وحين يفكر قادته فى مسألة من المسائل، فإنهم يحاولون فى الغالب تخمين ما يريده رئيس الدولة والحزب وما يرضيه، ولا يفكرون خارج هذا السياق، ولذلك، فهم أحوج الناس إلى اجتهاد من أى نوع، يثرى الفكرة فى حد ذاتها، ويضيف إليها. الوفد بورقته يسعى إلى تحقيق مصلحة المواطن، وكذلك سائر أحزاب المعارضة، وهى مصلحة المفترض أن الحزب الوطنى يعمل من أجلها، ولا يمكن أن تتحقق، على ما نتمناه جميعاً إلا إذا كان هناك نوع من التوافق العام حولها، لا أن ينظر الحزب الحاكم إلى الحزب المعارض على أنه عدو، حتى يثبت العكس! فمتى يستعين الحزب الوطنى بصديق؟!