\r\n (على مستوى العالم) لا يعرفن شيئاً عما يعنيه الذهاب إلى المدرسة، لأنهن يقضين معظم أيامهن في حمل المياه على رؤوسهن لمسافة خمس كيلو مترات يومياً. ونظراً لأن الماء يمثل أهم مصدر من مصادر الحياة على الإطلاق، فإن تأمين الحصول عليه، سوف يصبح هو المعركة السياسية الكبرى للقرن الحادي والعشرين. \r\n \r\n وتفاقم أزمة المياه يعني أن أسعارها سترتفع بشكل مستمر، وأنها ستتحول تدريجيا إلى سلعة نادرة وهو ما بدأت بوادره بالفعل حيث أصبح يشار إلى الماء بشكل عام باسم (الذهب الأزرق). ونتيجة لتناقص كميات المياه المتاحة، والإفراط في استخدام مصادرها الموجودة فإن ذلك يؤدي إلى تلوث تلك المصادر. ومما يذكر في هذا السياق أن 80 في المئة من أنهار فرنسا قد أصبحت ملوثة بالفعل لذلك السبب. كما يذكر أيضا أن العديد من الأنهار قد أصبحت غير قادرة على حمل مياهها على امتداد المسافة من المنبع وحتى المصب ( يعتبر نهر كولورادو الذي يجري في الجنوب الغربي للولايات المتحدة مثالا نموذجيا على ذلك). أما الآبار وغيرها من مصادر المياه الجوفية، فيتم استنزافها وتلويثها هي الأخرى، مما يؤدي إلى تدهور نوعية المياه التي أصبح استخراجها يتم في الوقت الراهن من أعماق أكثر غوراً، ومن مواقع أكثر بعداً بكثير مقارنة بما كان عليه الوضع من قبل، وهو ما يؤدي في النهاية إلى زيادة تكلفة استخراجها بشكل كبير. ومن المعروف في هذا السياق أيضاً، أن بلدان أفريقيا وآسيا وأميركا الشمالية والجنوبية وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، تفتقر جميعاً إلى الموارد المادية المطلوبة لتوفير الاستثمارات اللازمة لحفر الآبار، ولصيانة المرافق العامة للمياه، وتجديد خطوط أنابيب توصيلها، وتوفير الخدمات الصحية في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، وفي المناطق الزراعية النائية. \r\n \r\n لذلك قررت العديد من البلدان بيع خدمات توريد المياه بشكل جزئي إلى المشروعات الكبرى المتعددة الجنسيات حيث نجد الآن أن تحويل السيطرة على مصادر المياه إلى الشركات المعروفة باسم ( ملوك المياه) مثل شركة(السويس) و(شركة التيمس للمياه) و(فيفندي) و(بيكتيل) من خلال خصخصة عملية توريد المياه، وإلى شركات (نستله) و(كوكا كولا) و(دانون) من خلال عمليات البيع، قد أصبح هو النمط السائد في الوقت الراهن. \r\n \r\n وبعد زيادة تكلفة استخراج المياه وتوفيرها، وبعد أن تناقصت الكميات المنتجة منها، فإنه كان من الطبيعي أن تتحول إلى سلعة شديدة الجاذبية، وإلى ركن أساسي من أركان الأمن الاقتصادي والغذائي لأية دولة من دول العالم. ولعل هذا على وجه التحديد هو السبب في أن المياه قد أصبحت في أحوال عديدة سبباً لنوع خطير من صراعات المصالح، التي تدور بين الفئات الاجتماعية والجماعات المناطقية داخل الدولة الواحدة، حيث تتنافس تلك الفئات والجماعات فيما بينها للحصول على حاجتها من المياه، وعلى نوعية الاستخدامات التي سيتم توجيه المياه إليها والتي قد تتعارض في كثير من الأحيان مع بعضها بعضاً. \r\n \r\n وإذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية في مجال البنية الأساسية اللازمة لاستخراج وتخرين ومعالجة المياه قبل حلول الفترة 2020- 2025، وإذا ما استمر معدل استخدامها على وتيرته الحالية، فإن أزمة المياه تهدد بالتحول إلى \"قنبلة مياه\" وذلك عندما يصبح 4,8 مليار نسمة من إجمالي عدد سكان العالم مقيمين في مناطق تعاني من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، وهو رقم لا يأخذ في الحسبان النتائج السلبية المترتبة على التغيرات المناخية. \r\n \r\n ليس القصد من ذلك زرع اليأس في النفوس، أو الإيحاء بأن المشكلة غير قابلة للحل. فالحقيقة هي أنها قابلة للحل بل وأن الحلول معروفة للجميع كذلك. فما المشكلة إذن؟ المشكلة الأساسية هنا تكمن في غياب الإرادة السياسية اللازمة لاتخاذ القرارات الضرورية التي يمكن إجمالها فيما يلي: الاعتراف بأن حق الحصول على المياه النظيفة الصالحة للشرب حق مكفول لجميع البشر وغير قابل للتنازل عنه. الاعتراف بأن المياه مملوكة ملكية مشاعة لجميع الكائنات الحية على ظهر الأرض وأنها ليست مجرد سلعة اقتصادية يمكن بيعها أو خصخصتها. العمل على الترويج لأنماط بديلة من الزراعة المخصصة للوفاء بالاحتياجات المحلية، والتي تعتمد على استخدام تقنيات أقل تخريباً للتربة وأقل استهلاكاً للمياه. إعادة توجيه تقنيات الإمداد بالمياه لاستيفاء احتياجات القطاعات الأكثر فقراً \r\n \r\n (كالعودة على سبيل المثال إلى الطرق القديمة الخاصة بتخزين واستخدام مياه الأمطار)، وإتاحة الفرصة للجمهور للمشاركة في اتخاذ القرارات الخاصة بتنظيم استخدام المياه. إن حكومات الأقلية المكونة من كبار رجال المال والتكنوقراط، وكبار المحتكرين يجب ألا يسمح لها بأي حال من الأحوال، بالتحكم في مصائر البشر الذين يعيشون على ظهر الكوكب، من خلال التحكم في المياه. \r\n \r\n في عام 1998، وبناء على مبادرة من (مجموعة لشبونة) اجتمع المواطنون والبرلمانيون المعنيون للتوقيع على ما عرف باسم \"مانيفيستو المياه\"، الذي اقترح الإجراءات اللازم اتخاذها لمعالجة أزمة المياه العالمية، كما اقترح وضع هذه الإجراءات موضع التنفيذ في الصيغة المعروفة باسم (عقد المياه العالمي للمواطنين)، الذي يشمل المحاور الثلاثة الآتية: إنشاء شبكة من برلمانات المياه، الترويج لحملة إعلامية ورفع الوعي والتعبئة من أجل حملة المياه للجميع، وتأسيس مرصد عالمي لحقوق المياه. \r\n \r\n ومنذ ذلك الحين حقق عقد المياه العالمي تقدماً جيداً، حيث تنتشر شبكاته الآن في كل مكان في أركان المعمورة الأربعة. وفي العام الماضي، وفي العاصمة الإيطالية روما، قام أعضاء كل من البرلمان الأوروبي، وبرلمانات كل دولة من الدول الأوروبية بتبني \"مانيفستو المياه\" بصفة رسمية، والذي ينص بالإضافة إلى ما سبق على أن حق الحصول على المياه يمثل حقاً من الحقوق الإنسانية غير القابلة للتصرف فيها. \r\n \r\n إنني آمل من أعماق قلبي أن يفهم الرجال والنساء من ذوي الضمائر الحية في العالم، أن الأمر يحتاج منا إلى أن نقاتل من أجل جعل حق الحصول على المياه حقاً من الحقوق الإنسانية المعترف بها ذلك أن البشرية لن تكون قادرة على البقاء والاستمرار دون أن يتمتع كل فرد فيها بحرية الوصول إلى مصادرها. \r\n \r\n ماريو سواريس \r\n \r\n رئيس وزراء البرتغال السابق \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز\" \r\n