حينما دخلت إسرائيل إلى سيناء في العداون الثلاثي على مصر عام 56 كانت تستهدف السيطرة على أرض سيناء لمد مياه نهر النيل عبر اراضيها إلى صحراء النقب وفق مبادئ هيرتزل مؤسس الصهيونية 1903 وحينما دخلت إسرائيل حرب 67 كانت تستهدف مزاحمة الأردن لنهر الأردن والسيطرة على كامل مياه بحيرة طبريا الواقعة بين مدينتي الجليل في شمال فلسطينالمحتلة وهضبة الجولان السورية وهى البحيرة التى تعتمدت عليها إسرائيل بشكل شبه كامل اليوم لتوفير مياه الشرب لشعبها ، وبعد حرب أكتوبر وتحديدًا عام 74 عرضت إسرائيل مشروع تسعيرة مياه نهر النيل من منطلق أن الدول التسع من المنبع إلى المصب لا تستفيد من مياه النهر سوى 5% فقط من أصل 1600 مليار م3 ويذهب الباقى إلى المستنقعات فلماذا لا تستفيد باقى دول الإقليم من المياه بدءًا من صحراء الجزائر حتى إسرائيل وقد ذكى القذافى العرض ورفضته القيادة السياسية فى مصر فالعرض يعني شق الدول العربية بممرات مائية دولية يمكن ان تصبح ذريعة مع أى خلافات مستقبلية للهجوم على مصر كما ان الموافقة على هذا المشروع يعنى الاعتراف بالجسد الصهيوني داخل الوطن العربي وضياع القدس، وفي مارس 1991 أعاد إسحاق شامير الحلم بتصريحه الشهير بأنه علي استعداد لتوقيع معاهدة حظر أسلحة الدمار الشمال وقبول التفتيش علي المنشآت النووية الإسرائيلية مقابل اشتراك إسرائيل في اتفاقيات لإعادة توزيع المياه في المنطقة، وبعد توقيع معاهدة السلام عرضت إسرائيل على السادات عام 79 تحويل مليار م3 من مياه نهر النيل عبر ستة أنفاق تمر تحت قناة السويس إلى إسرائيل وقد وافق السادات مبدئيا على الطلب داعيا المتخصصين فى القاهرة لدراسة مشروع ترعة السلام لتصل إسرائيل وقد سماها «مشروع مياه زمزم» التى ستسقى كل الأديان السماوية، وبعد مقتل السادات كان الغزو الإسرائيلي للبنان عام 82 يستهدف السيطرة على نهر العاصي الممتد من مدينة الهرمل اللبنانية ليعبر سوريا من شمال ادلب ثم حماة، ويصل إلى أنطاكيا في تركيا،ثم شرع مبارك فى تنفيذ مشروع ترعة السلام )مشروع تنمية شمال سيناء( في فترة التسعينيات والذى بدأ من غرب قناة السويس عند فرع دمياط لتمر مياه النهر عبر 6 محافظات حتى تصل لقناة السويس ممتزجة بالتساوى مع مياه الصرف الزراعى لاستصلاح 220 ألف فدان، وفى المرحلة الثانية من المشروع مرت المياه عبر سحارة من أربعة أنفاق إلى شرق قناة السويس لتصب فى ترعة الشيخ جابر الصباح وتشق سيناء حتى وادى العريش لاستصلاح 400 ألف فدان ، مبارك كان يحرص فى كل مناسبة وبدون مناسبة التأكيد على أن نهر النيل لن يخرج خارج الحدود المصرية سواء مع افتتاحه جزءا من مراحل المشروع أو حتى حينما قام بافتتاح كوبرى «صفط اللبن» بالجيزة قبل أيام من 25 يناير 2011، ولهذا بدأت إسرائيل فى معاكسة مصر بالتزامن مع مراحل توسيع ترعة السلام بتوطيد علاقتها التاريخية بإثيوبيا عبر تقديم خبراتها فى مجال تكنولوجيا الموارد المائية وإقامة السدود ومساعده أديس أبابا على بناء 4 سدود مائية وآخرها ما عُرف بسد النهضة، فإسرائيل ترى فى اثيوبيا الدولة التى يمكن من خلالها التحكم فى جنوب البحر الأحمر ومنعه من التعريب عبر التحكم في القرن الإفريقى )الصومال - جيبوتي- إريتريا( وإثيوبيا ترى فى إسرائيل الاستفادة من استثماراتها وتقدمها العلمي للسيطرة على دول المنبع وتسيد قرارها فى مقابل السماح بالتواجد العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي على أراضيها وتوسيع نفوذها فى القرن الإفريقي خاصة في إريتريا كمستعمرة صهيوأمريكية، كما ان نجاح إسرائيل فى تقسيم السودان وانفصال جنوبها كان جزءا من حرب المياه لتفتيت كيانات دول المنبع )مصر والسودان( للسيطرة على مياه دول المصب وتحويل مساراتها فى المستقبل لخنق مصر مائيًا. فقرات متعددة من كتاب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز «الشرق الأوسط الجديد»، تؤكد اهتمام المسئولين هناك بمشروع توصيل مياه النيل إلى إسرائيل، عن طريق القنوات المائية في مصر وقد قدم بيريز رؤيته عن شرق أوسط جديد من خلال الأيدى العاملة المصرية والأموال الخليجية والمياه التركية والعقول الإسرائيلية وهو ما أكده الدكتور محمد البرادعى فى حوار له مع المرحوم لبيب السباعي بجريدة الأهرام بدعوته أن تكون إسرائيل هي لكسمبورج الشرق. وهذا الفكر المتطابق يعني الاعتراف بدولة اليهود الكبرى من النيل للفرات ولاحظ هنا جغرافية ترسيم الدولة على المياه من النيل للفرات وهو ما يؤكد أن أصل رواية الحروب بين العرب وإسرائيل هى حروب مائية فى المقام الأول وليست أمنية، كما يكشف عن دور تركيا فى الصراع الدائر اليوم وقد أقامت سد أتاتورك وملأته بقيمة 500 مليارم3 بعد أن حجزت مياه الفرات عن سوريا والعراق طيلة خمس سنوات وسمحت بمرور 200 ألف م3 فقط لتتقاسمها الدولتان، وبعد اندلاع الحرب السورية شرعت تركيا في بناء أكبر سد فى المنطقة بمقدار 75 مليارم3 لضمان السيطرة على القرار السياسي في سوريا والعراق وهذا يفسر سر احتلال تنظيم داعش والنُصرة المدن الواقعة على نهري دجلة والفرات والسيطرة على السدود المائية وكلاهما يحظي بدعم مالي وعسكري ولوجيستي من أنقرة وتل أبيب، فهذه الجماعات ترسم حدود الدولة اليهودية فى جزئها الثاني من نهر الفرات، ولكن الأهم في دور تركيا هنا هو تفعيل مشروع جيورا ايلاند )الأردنسطين - غزة الكبرى( فالمطلوب ضم جزء من محافظة الأنبار العراقية إلى الضفة الغربيةوالأردن لتصبح دولة الأردنسطين وهنا يمكن للمملكة العربية السعودية بمساعدة تركيا استثمار الفكرة بعد تغيير الديموغرافيا السكانية فى الصراع الإقليمى الدائر اليوم لتحويل مسار نهر الفرات عند محافظة الأنبار إلى جنوب شرق المملكة لحل أزمة المياه التى يواجها الشعب السعودي، ومن جهة أخرى يسعى تنظيم داعش عبر رجالاته المتمركزة وفق مشروع غزة الكبرى على الشريط الساحلى فى سيناء )العريش- الشيخ زويد-رفح( إلى عزل هذه المساحة على الأرض لضمها إلى قطاع غزة وبما أن مشروع ترعة السلام يقف على حدود وادى العريش ولم يتبق سوى 40 كم على رفح لتحصل إسرائيل على مليار م3 من مياه النيل، تأتى من هنا دعوة العكش المصري للسفير الإسرائيلى بالموافقة على الطلب الذي قُدم للسادات عام 79 في مقابل إنهاء ملف سد النهضة، فيتحقق حلم إسرائيل فى النيل وتبدأ في توسيع رقعتها الزراعية واستقطاب المزيد من المهاجرين اليهود من أوربا في انتظار تحقيق باقي الحلم الصهيوني إلى الفرات على يد العكش التركي وسلام مربع للمسجد اللى طلع مش أقصى على يد يوسف زيدان . كاتب جيوسياسي