قد ينحرف الإعلام (كما حدث فى المشهد المصرى منذ سنوات)، عن رسالته الأساسية، فيخاطب الغرائز لا العقول.. ويزود الناس بالأكاذيب والخزعبلات.. ويوظِّف إمكاناته فى الخداع والتزييف (عبر نشر الأخبار والمعلومات المغلوطة.. وإثارة الفتن.. وإذكاء الصراعات المجتمعية)، وكلها عوامل كفيلة بتفكيك المجتمع لصالح أعدائه (داخليًا، وخارجيًا). ووفقًا ل«علم النفس الإعلامى» (أحد مجالات علم النفس العام، المعنى بتأثير عمليات الاتصال على الشخصية)، فإن «الرسالة الإعلامية» تؤثر فى سلوكيات وتصرفات المواطنين، كون الجميع يعيشون فى المجتمع، ويتعايشون معه، ويتأثرون بكل ما يتم سماعه أو كتابته أو مشاهدته فى وسائل الإعلام. ورغم أن «الانفلات الإعلامى» ظاهرة تعيشها مصر منذ سنوات، فإن الفترة الممتدة بين أحداث 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 (وما تلاها)، كانت كاشفة، بل فاضحة لتفشى هذه الظاهرة.. خلالها، تخلت الكثير من وسائل الإعلام عن رسالتها، وحيادها الظاهرى، لأسباب بدت (على تنوعها، ومصادرها)، خصما من رصيد الرسالة التنويرية لوسائل الإعلام (المصرى- العربى). وثمة حالة من الدهشة العارمة ستصيب كل من يحاولون التأمل (بموضوعية)، فى المشهد الإعلامى، فعلى امتداد الفترة المذكورة سابقًا، تعالت الأصوات الزاعقة، وتعددت المواقف الهيستيرية، وارتفعت نغمة الصراخ والعويل (المصطنع)، دعما لمواقف مشبوهة، لكن الهجمة الأكثر شراسة استهدفت مؤسسات الدولة (سواء التى انحازت للثورة منذ اللحظة الأولى، أو حتى التى وقفت على الحياد). وكشفت هذه الحالة عن غياب الرقابة «الضميرية- المهنية»، وأصبح كل شخص (فى زمن المواطن- الإعلامى)، يقول ما يريد، وبالأسلوب الذى يريد.. كثرت المزايدات، والأحكام المطلقة، والتعميم، بحجة أن ما ينشر ويذاع ويتم بثه «إعلام ثورة»، على حد وصفهم.. تناسى المعظم أن الإعلام يتم تقييمه ب«معايير مهنية»، قبل الحكم عليه ب«مقاييس سياسية»! وحدث توجيه للإعلام (المصرى- العربى)، حتى يتحول لقوة هدَّامة، بعد فشل التحالف «الصهيو- أمريكى فى استخدام القوة الصلبة (العسكرية)، فى حسم خطط الهيمنة، ومن ثم وظَّف مخططو السياسات الإعلامية، الطاقات (البشرية، والمادية)، لتوصيل ما يسمى ب«الرسالة الإعلامية للجمهور»، أى ما يتم تقديمه من مضامين إعلامية موجهة (معلومات.. حقائق.. أفكار.. آراء جديدة)، للجمهور (الرأى العام). وتم توجيه قوة الرسالة الإعلامية، عبر التمويل (المباشر وغير المباشر)، وتسكين أصحاب الولاءات للتحكم فيما يسمى ب«حارس البوابة الإعلامية» (المطبخ، الذى يتم فيه تجهيز العمل الإعلامى)، ويعنى فى الصحافة «السياسة التحريرية» (توجهات الصحيفة، وطريقة تعاملها مع الأحداث والوقائع حتى تصل إلى القارئ)، بينما يعنى فى العمل الإذاعى والتليفزيونى والسينمائى «كيفية كتابة سيناريو الأحداث، وطريقة عرضها، وتوصيلها للجمهور». .. وللحديث بقية