تتحمل السلطة المسؤلية الأكبر عما يشهده الإعلام حاليا من تدن مهني وفوضي إعلامية سواء من خلال تشجيعها الصامت لما يحدث من تجاوزات وجرائم مهنية أو من خلال تقاعسها عن إصدار التشريعات اللازمة لتنظيم وضبط الأداء الإعلامي. فقد كشفت الممارسات الإعلامية في السنوات الأربع الماضية عن تراجع كبير في الالتزام بالمعايير المهنية بل إن هذا التراجع تفاقم بصورة أكثر فداحة في العامين الماضيين; حيث دفع الإعلام ثمنا كبيرا من مصداقيته لدي كثير من جمهوره جراء غياب المحاسبة الذاتية أو من خلال قوانين نافذة علي رقاب الجميع. ومع توجهات ملاك الفضائيات الخاصة وبعض الأصوات الزاعقة من السياسيين للسيطرة علي المجال العام بما فيه الفضاء الإعلامي, تفاقمت محنة الإعلام المصري خصوصا حين حاول ملء الفراغ السياسي الذي خلفته الحقبة المباركية. وحين جف نهر السياسة علي أيدي مبارك ورجاله, لعب الإعلام دور الأحزاب والقوي السياسية والنقابات والبرلمان في نفس الوقت, وهو ما عمق من أزمة المهنية بشكل كبير!, وفي ظل هذا المشهد المضطرب, تباري كثير من الصحفيين ومقدمي البرامج السياسية في ارتكاب جرائم مهنية مخزية مرت دون عقاب منها: بث فيديوهات وقحة آخرها ما فعله احمد موسي الذي بث فيديو لخالد يوسف وهو شيء مخجل للاثنين, كما سبق أن تم بث تسريبات تليفونية بدون موافقة النيابة العامة..الأخبار المجهلة انتشرت في معظم الصحف المصرية الحكومية والخاصة, بل الأسوأ من ذلك في الفضائيات الخاصة التي اعتمد فيها بعض مذيعي( التك تك شو) علي أخبار مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي في برامجهم..الخلط بين الخبر والرأي, وتقديم الرأي علي أنه الحقيقة وأن الرأي المخالف هو الباطل( خذ عندك برامج التوك شوز)..الخلط بين المادة التحريرية والمادة الإعلانية في بعض الصحف..انتهاك خصوصية الأفراد, وحملات الاغتيال المعنوي والتشويه لكل المعارضين..غلبة إعلام الصوت الواحد, بينما جري تغييب الرأي الآخر بشكل شبه كامل ومحاصرة أصحابه وتخوينهم. مما سبق, يمكن القول: إنه إذا كان الإعلام الخاص قد لعب دورا في كشف فساد نظام مبارك, فقد تحول بعد30 يونيو, للعب دور سلبي علي الصعيدين السياسي والاجتماعي حيث أسهم في تكريس إعلام الصوت الواحد والنمط التعبوي الذي يقوم علي إذكاء الصراع السياسي وبث روح الكراهية. والخلاصة: أزمة الإعلام المصري في جوهرها متعددة الوجوه بعضها يتعلق بالأسس الاقتصادية, والآخر يتعلق بنمط الملكية وعلاقة رأس المال بالسياسة التحريرية. الإعلام تريده السلطة خادما لأهدافها مروجا لسياستها, ورجال الأعمال يريدونه حاميا لمصالحهم واستثماراتهم ومروجا لمواقفهم السياسية. لا يمكن فصل الأزمة عن المناخ العام الذي تعيشه مصر حاليا, وهو مناخ يتسم بالانقسام السياسي والاجتماعي. ما يحدث في المشهد الإعلامي ليس سوي انعكاس لهذا المناخ, وهذا يعني أن إصلاح منظومة الإعلام يبقي جزءا من إصلاح المشهد السياسي العام. قد يبدو المشهد الإعلامي الراهن مريحا للسلطة الحالية لكن استمرار هذه الحالة من الإعلام التعبوي الزاعق; التي يغلب فيها الصوت الواحد, لا تقود فقط إلي انتحار الإعلام, بل ستكون نتائجه وخيمة علي السلطة نفسها. الخروج من الأزمة الحالية يتوقف علي إدراك كل أطراف صناعة الإعلام في مصر( السلطة ورجال الأعمال والإعلاميين) لدور الإعلام ورسالته في تشكيل الوعي ونشر المعلومات والحقائق وليس دغدغة مشاعر الناس وتغييب وعيهم. وهذا الأمر يستدعي إجراءات وخطوات لإصلاح منظومة الإعلام المصري بما يجعلها قادرة علي الوفاء بالمعايير المهنية اللازمة لأداء رسالتها, ووضع الإطار المؤسسي اللازم للرقابة علي الأداء وضبط جودته. أستاذ الإعلام بجامعة المنيا رئيس جمعية حماية المشاهدين