في إطار اللقاءات الثلاث التي عقدها الإمام الأكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر مع مثقفين مصريين، ينتظر اليوم إعلان "وثيقة الأزهر" التي تحدد معالم العلاقة بين الدين والدولة . وفي حديث عدد من المشاركين بإعداد الوثيقة ل"محيط" قال د. صلاح فضل، والذي تم تكليفه بصياغتها في شكلها النهائي، أننا نعيش مرحلة تحول ديمقراطي ونسعي لتحديد مفاهيم علاقة الدين بالدولة وأبعادها دستوريا وتشريعيا. والتوافق هذه المرة ينشأ بين طرفين أساسيين في الحياة الفكرية والعقائدية المصرية، وقد رعي الأزهر الإسلام خلال ألف وخمسين عاما تعليما وتشريعا وواكب تطوره الحضاري الشخصية المصرية وفهمها الوسطي للنصوص الدينية وبالتالي أصبح هذا الطرف – وهو الأزهر – يمتلك مشروعية التفسير المستقيم لهذه النصوص والفهم المستنير لدلالاتها. أما المثقفون فهم يحملون رسالة التنوير والوعي في وطنهم الصغير وفي الوطن العربي بأكمله، وينتمون لسلالة قادة الفكر في النهضة العربية منذ مطلعها . الناقد الدكتور صلاح فضل يضيف فضل : تفسير علاقة الدين بالدولة من خلال الوثيقة سوف يكون ملزما لأطراف أخري ترفع شعار الدين بالحق حينا والباطل أحيان أخري . أما عن أهم بنود الوثيقة فأوضح الناقد الكبير أنها تؤكد صيغة الدولة المدنية الديمقراطية التي تعترف بالتعدد وتقوم علي المواطنة، وتحترم حرية العقيدة وترعي كل أبنائها علي قدم المساواة وتسعي للتعبير عن المنجز الحضاري لأمتها والتمسك بأصول العدالة الاجتماعية والتسامح واحترام المواثيق الدولية. ويتوقع فضل أن يرحب بها عامة المثقفين والمعتدلين الذين يتمسكون بوسطية الإسلام وجوهر الثقافة، مستدركاً: لكن "الجهلاء" من الجماعات الدينية التي تلجأ لاستعارة بعض المبادئ المتطرفة والمناورة بها سوف لا ترضيهم هذه الوثيقة وإن كان يلزمهم احترامها والأخذ بها. من كواليس اللقاءات الثلاثة يقول الباحث التاريخي د. محمد حافظ دياب : توقفنا خلال احدي الاجتماعات عند مفهوم الدولة الدينية، معلنين عدم تقبلنا لهذا المفهوم من منطلق أنه لم يرد في كل المعاجم والقواميس المتعلقة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية . ويشتمل البيان التأكيد علي وسطية الأزهر ورؤيته المستنيرة في ضحد كل الأفكار المتطرفة، معتبرا أن أهمية البيان تأتي من كونه يخرج من مؤسسة الأزهر وما تمثله من الفهم الإسلامي الوسطي ، في ظل ما وصفه بحالة الصخب من جانب جماعة الإخوان والتيار السلفي . حافظ دياب يضيف: كما أن الأزهر يعد مصدر الشرعية الوطنية في تاريخ مصر الحديثة، وأنه بعلمائه وشيوخه وطلابه مثّل النسيج الأساسي للمجتمع المصري ولم يكن أبداً مؤسسة كهنوتية، رغم أنه في بعض المواقف كان يقف مع السلطة، لكنه أيضاً وقف مع الجماعة الوطنية، وشكّل علامة في تاريخها حيث دافع عن مصر أيام الحملة الفرنسية ودافع عن رشيد ضد حملة فريزر عام 1807، وناصر أحمد عرابي في ثورته وأفتي احد علمائه بعدم صلاحية الخديوي توفيق للحكم، وفي عام 1919 مثّل منبراً للخطاب والدعوة إلي التحرر من الاستعمار. ويتوقع دياب ألا تستقبل قوي المجتمع الوثيقة بالرفض، ولكن يمكن لبعض الأطراف أن يلتفوا عليها لأنهم لا يستطيعون رفضها وهي من أكبر مؤسسة دينية . وتحفظ يوسف القعيد عن الحديث حول الوثيقة طالما لم تخرج للنور بعد ، مؤكدا أنها ستحدث حالة من الجدل بعد الإعلان عنها . وكانت جلسات فضيلة الإمام الأكبر مع المثقفين قد تم الإتفاق خلالها علي ضرورة الالتزام بأخلاق الاختلاف، وتجريم التكفير واستخدام الدين للتنابذ والفرقة، وأيضا تجريم الحث علي الفتن الطائفية وكل مظاهر التعصب، واعتبار الحوار المتكافئ والندية المطلقة أساس التعامل مع المجتمع.