حفاظاً علي مستقبل الأبناء تحرص العديد من الأسر العربية علي إلحاق أبنائهم بمدارس اللغات الخاصة ، ليتعلم الطفل أكثر من لغة في ظل الثورة التكنولوجية والصراع الذي يعتمد علي مدي قدرة الشاب علي استيعاب تطور الحضارات لفتح آفاقاً أرحب لاغتنام الفرص وتحقيق النجاح. وبالرغم من المصاريف الباهظة لهذه المدارس الأجنبية إلا أن جميع الأسر تحرص علي ذلك لما تتمتع به هذه المدارس من مزايا مستقبلية ، ولكن إذا لم يتخذ الآباء الأمر بحرص وموازنة سيكون ذلك علي حساب اللغة الأم "العربية". وفي الوقت الذي يشعر فيه الآباء بالراحة النفسية لإجادة أبنائهم للغة أو أكثر ، يحذر خبراء علم الاجتماع والتربية من أن تلاميذ مدارس اللغات في وطننا العربي يعانون عجزاً في التعبير عن أنفسهم باللغة العربية ، ومن هنا يدق ناقوس الخطر. وما يزيد الأمر سوءاً هو لجوء كثير من الآباء إلي التحدث مع أبنائهم في المنزل باللغات الأجنبية كنوع من التحضر والتباهي أحياناً ، وأصبح كثير من الأطفال يعانون بالغربة بينهم وبين لغتهم وبالتالي المجتمع حولهم . عدم القدرة علي التكيف ويؤكد الخبراء التربويون أن معظم تلاميذ العرب في مدارس اللغات يعانون عجزا شبه تاماً أحياناً في التعبير عن أنفسهم باللغة العربية ، كما أنهم يتواصلون فيما بينهم ومع محيطهم باللغة الإنجليزية ، كما يحذر الخبراء من تحدث الأهل مع أبنائهم بغير اللغة الأم يعرضهم إلي مشاكل تعليمية تنعكس بشكل مباشر علي الأداء التربوي فيما بعد ، كما يحد من انتمائهم القومي بشكل يؤثر في هويتهم الحضارية ما يجعلهم عرضة لأمراض نفسية كعقد الدونية وعدم التكيف . وكشف تقرير لجهاز الرقابة المدرسية في هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي لعام 2011 عن عدم تمكن المدارس من تحقيق تحسناً ملحوظاً في جودة المناهج التعليمية التي تقدمها ، وأن الحصص الدراسية لمادة اللغة العربية لا تشمل عدداً كبيراً من التمارين المتنوعة ، ولا تقدم للطلبة فرصاً كافية لاستخدامها بشكل جيد كما هو مطلوب . حقيقة ملموسة وعلي الرغم من أن هذه المدارس تخرج جيلاً بمهارات أكثر ملائمة لسوق العمل ، ولكنها قد يكون سلاح ذو حدين وله بعض السلبيات إذا لم ينتبه الآباء لهذا الأمر ويكون الأبناء عرباً بدون العربية . تؤكد اختصاصية الإرشاد النفسي والأسري لمي الصفدي أن اللغات التي يتعلمها الطفل في أول خمس سنوات من العمره يظل يتذكرها مدي الحياة حتي لو انتقل في مراحل عمره فيما بعد إلي لغة أخري ، والملاحظ أن اللغة الإنجليزية في بعض البلدان العربية أصبحت بديلة للغة العربية ، بسبب المربيات الأجنبيات والتعليم الأجنبي ، وبالتالي لا يعرف الطفل العربية بسبب الوسط الذي أجبره علي ذلك ، وهذا الأمر قد يكون طبيعي إلي حد معين ، ولكن الخطر يكمن في انعدام التواصل مع العالم والعائلة وأقرانه . وتشير الصفدي إلي أن بعض الأمهات يلجئن إلي الحديث مع أبنائهن أمام الناس باللغة الإنجليزية كنوع من عقد النقص للدلالة علي أنهن منفتحات وصاحبات مستوي رفيع ويعرفن قواعد الاتيكيت ، وفي أحيان أخري يفرض الاغتراب علي الطفل ذلك بسبب التشتت بين أكثر من لغة مع إهمال اللغة العربية . قرار مؤسسي وتري الخبيرة التربوية دلال هلالات أن اللغة العربية هي الأساس ، ولا يمكن المساهمة بايجابية في البيئة المحيطة إلا باللغة الأم ، وأفضل مثلاً علي ذلك هي اليابان التي قامت حضاراتها علي أساس التمسك بلغتها وبالتالي هويتها ، واللغة تعني شخصية يعتز بها أصحاب الحضارات وتجبر الآخرين علي احترامها. ولفتت هلالات الانتباه إلي أن الاهتمام باللغة العربية هي مسألة قرار مؤسسي حكومي رئاسي ، وكون أن اللغة العربية لغة ثانية في المدارس والمؤسسات الحكومية في بعض البلاد العربية ، فهذا الأمر تابع لمناهج التعليم ، بعد أن أصبحت تدرس في بعض الجماعات كمادة اختيارية ، وفي الإمارات تم إلغائها تماماً. وتنصح الصفدي الأهل في كل الأحوال بضرورة التمسك باللغة العربية لأن الطفل الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة من السهل عليه بعد ذلك تعلم كل اللغات الأخري ، لأن اللغة العربية هي أم اللغات .