ربما نكون بعيدين حتي اللحظة عن أتون الصراعات الدولية والكرامازوفية في المنطقة، لكن كل الشواهد تؤكد أننا نسير حثيثا نحو صفيح المنطقة اللاهب. كل الشواهد تؤكد أننا مقدمون علي حمل السلاح ونزع فتيل الحرب، وأننا عما قريب سنحشو السلاح الأمريكي ببارود روسي، لكننا نجهل حتي اللحظة هوية الذين سيتلقون في أحشائهم الرصاص. كنا حتي الأمس القريب، ننظر وراء السياج، فنري الذين اغتصبوا الأرض واستباحوا العرض يعيثون في مقدساتنا فسادا، فنهم بالضغط علي زناد الغضب، فلا يردنا إلا قلة الحيلة. وكنا ننظف أسلحتنا، ونلمع أحذيتنا، ونضع الخوذ فوق رؤوسنا ونحمل مخال ثقيلة فوق ظهورنا، وننفذ مشاريع وهمية استعدادا ليوم الزحف. لكن أسلاك اليوم لم تعد شائكة أبدا، ولم تعد الانتهاكات للأرض والإنسان تستثير فينا دماء الغضب، وكأن الدماء التي سفحناها عند الحدود ذات كرامة لم تكن لعزيز. وكبرنا، فزاغت أبصارنا، ولم نعد نري أسفل منتصف أي هدف، فالأرض تحت أقدامنا راجفة، والحدود هلام. والأعداء يسحقون التاريخ تحت عجلات إعلامهم الموجه. اليوم، نقف فوق خارطة مجللة بالسواد من كل مفترق، بلا جار ولا جوار. القتل فوق خرائطنا المهشمة مشاع، والكراهية دين، والمتدينون أذناب وفرق وأتباع. والدين غريب والكثرة غثاء، والكل ينتظر قتلة تليق ببلادته وصمته أمام استغاثات الجوار. اليوم، ترفع فرقنا كلها راية الجهاد، ولا تصيب سهامها إلا الأيادي المتوضئة والركع السجود.اليوم، تدمر المساجد فوق رؤوس المصلين، فيصيح المتوضئون بالدماء الدافئة: 'الله أكبر، ولله الحمد'. اليوم، ننتصر علي ما تبقي فينا من فضيلة، ونهرج كالحمر في البرية، فتصيب حوافرنا عيوننا وبطوننا وأفئدتنا. واليوم، نتسابق في ماراثونات غبية نحو الهزيمة، ونقف فوق تلال قتلانا لنفرج بين السبابة والوسطي. اليوم ينتصر الغباء علي الوطنية والعروبة والدين، لنعود بعد محمد كفارا يضرب بعضنا رقاب بعض، ويكشف بعضنا سوأة بعض. اليوم، نقف علي أعتاب حرب لا ناقة لنا فيها ولا عنزة، لنحارب طواحين هواء، وهلام داعشي مختلق، لنعود من حروبهم المقدسة بخفي حنين، لنقسم بوكيد الأيمان أننا قتلنا وشردنا ودمرنا، لكننا سوف نسكت حتما عن المفعول به. واليوم تدفعنا الأحداث إلي مربع أخير، لتلصق ظهورنا بالجدار، فنمارس جلد الذات وزنا المحارم في غفلة من الوعي والضمير. وحين ينتصر الآخرون، ويقف الغزاة فوق ملك لم نحافظ عليه كالرجال، سندرك أننا كنا الأعداء، وأننا حاربنا ببسالة، وقُتلنا بغباء، وطُردنا من الجغرافيا كما التاريخ شر طردة دون أن يأسي علي خروجنا أحد أو يثأر لدمائنا أحد. [email protected]