رغم أن بيان الأزهر.. كان صادمًا.. إلا أنه وضع النقاط علي الحروف، وحسم قضية شائكة.. قضية التكفير التي طالما أثارت جدلا واسعًا، واستخدمها تجار الدين، سيفًا مصلتا علي الرقاب، وراح ضحيتها كثيرون.. لقد تابعت المشادة الكلامية التي نشبت بين سمر ابنة الكاتب والمفكر الراحل د.فرج فودة، وبين وكيل الأزهر د.عباس شومان، علي أرضية بيان الأزهر الأخير الذي أفتي فيه بعدم إجازة تكفير تنظيم 'داعش' الإرهابي. وهذه المشادة انعكاس لخلاف دائر بين الكثيرين حول فتوي الأزهر، حيث تري سمر فرج فودة ومعها فريق كبير أن الفتوي كارثة، لأنها ستعطي دفعة معنوية إيجابية لأعضاء التنظيم الإرهابي في الوقت الذي تحارب فيه مصر الإرهاب الأسود. أفهم المنطق الذي تحدثت به سمر ويتحدث به غيرها.. ففي الوقت الذي يرفض فيه الأزهر تكفير 'داعش'، جري علي مدي عقود وسنوات تكفير العديد من الكتاب والمفكرين، ومنهم والدها فرج فودة الذي دفع حياته بسبب رأيه، أو بالأحري بعد فتوي الشيخ محمد الغزالي، التي أهدر فيها دمه.. لكن بقراءة متأنية نكتشف أن الأزهر الشريف بفتواه أو البيان الذي رفض فيه تكفير تنظيم 'داعش'، أغلق باب التكفير إلي الأبد. أدرك أن جرائم 'داعش' ليست فقط تدمير الأوطان وتفكيكها بالوكالة لصالح المشروع الأمريكي الغربي، أو القتل والذبح واستباحة الدماء والأعراض.. بل الأخطر هو التضليل الفكري الذي تمارسه الجماعة الإرهابية أو الكذب والخداع باسم الدين الإسلامي وتحت لوائه، وتوظيف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في غير موضعها.. لتحقيق أهداف ومكاسب سياسية كما تفعل غالبية التنظيمات التي تتحدث باسم الدين. من هنا تأتي أهمية الفتوي، فرغم الجرائم التي ارتكبها الداعشيون.. رفض الأزهر تكفيرهم قائلا: 'لو حكمنا بكفرهم لصرنا مثلهم ووقعنا في فتنة التكفير، وهو ما لا يمكن لمنهج الأزهر أن يقبله'. البداية كانت عندما قال مفتي نيجيريا في كلمتة بمؤتمر 'مواجهة العنف والتطرف' بالأزهر: 'المبتدعة الذين قاموا بأفعال التطرف.. قاموا بكل ألوان الفساد، فالمتطرفون وداعش بُغاة من حيث ادعاؤهم الخلافة الإسلامية، وهم محاربون، فقاموا بإشاعة الفساد، وهتك الأعراض، وقتل الأنفس، ثم انتهوا إلي تكفير الأمة فتحقق فيهم الحرابة والبَغي، فهم أشد من بدعة الخوارج، وقتال المسلم كفر، وقد قتلوا المسلمين، فقد حكموا علي أنفسهم بالكفر بأفعالهم'.. وفي تعليقه علي هذه الكلمة وضع الأزهر قاعدة في غاية الأهمية.. أتمني أن يعيها جيدًا مشايخ التكفير.. فقد أكد: 'أن كل مَنْ في المؤتمر من علماء الأمة يعلمون يقينًا أنهم لا يستطيعون أن يحكموا علي مؤمن بالكفر مهما بلغت سيئاته، بل من المقرر في أصول العقيدة الإسلامية أنه لا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحد ما أدخله فيه، وهو الشهادة بالوحدانية ونبوة سيدنا محمد، وأن الذنوب مهما بلغت لا يُخرج ارتكابُها العبد من الإسلام.. والمؤتمر في الأساس عُقد لمواجهة فكرة تكفير الآخر وإخراجه من الملة'. نحن إذن.. أمام فتوي سحبت المشروعية من مشايخ التكفير، ووضعت كلمة النهاية لهذا المسلسل، ولم يعد مقبولا أن يقف أحد علي باب الإسلام ليقول: هذا يدخل وهذا يخرج، أو هذا مُرَحَّب به وهذا غير مرغوب فيه. ولا أعتقد أن يجرؤ أحد المشايخ أن يكفِّر كاتبًا أو أديبًا أو مفكرًا بسبب وجهة نظره حتي ولو نختلف معها فبين أيدينا فتوي للأزهر أفتي فيها بعدم تكفير تنظيم 'داعش' صاحب السجل الحافل من الجرائم.. الذي أصدر مؤخرًا كتاب 'دليل نكاح الأسيرات'.. ويتضمن ما أسموه ب'الأحكام الشرعية' المتعلقة بالأسيرات والسبايا. كتاب داعش بحسب صحيفة 'الإندبندنت' البريطانية، يجيب علي 27 سؤالا، بخصوص نكاح النساء الأسيرات، وكيفية الحصول عليهن، وأصدرت الكتاب ما يسمي ب'إدارة الفتوي' بتنظيم 'داعش'. ويشرح الكتاب الذي نشرته المواقع الإلكترونية التابعة ل'داعش'، كيفية شراء الأسيرات وامتلاكهن ونكاحهن، وكيفية بيعهن ومنحهن هدايا للآخرين، كما يشرح بالتفصيل ما تنطوي عليه هذه العلاقة الجنسية، ويتضمن السماح بسبي الأسيرات المسيحيات واليهوديات، كما ينصح بمعاملة غير المسلمات علي أنهن 'سبايا'، فضلا عن بعض الفتاوي الأخري مثل نكاح النساء المرتدات اللائي ولدن مسلمات وغيَّرن دينهن. الفتوي الأخيرة للأزهر أغلقت الباب أمام المشايخ أمثال مَنْ كفَّروا نجيب محفوظ وفرج فودة أو من فرَّقوا بين كاتب وزوجته لأنه كافر كما فعلوا مع نصر حامد أبوزيد.. ليبقي الكفر والإيمان علاقة خاصة بين العبد وربه. الاستقلال الوطني منذ ثورة 30 يونية والمعركة التي تخوضها مصر.. معركة استقلال وطني سيترتب عليها تشكيل المنطقة من جديد، واسترداد الوطن العربي من براثن التبعية.. وربما يفسر ذلك الدفاع الأمريكي المستميت عن جماعة الإخوان منذ البداية، والضغوط التي ما زالت تمارسها واشنطن علي مصر. ومسألة إغلاق بعض السفارات لأبوابها أو تعليق أعمالها، بدعوي وجود مخاوف أمنية، ما هي إلا حلقة جديدة من حلقات الصراع أو فرض الإرادة، في مواجهة استقلال القرار المصري.. خاصة أن مصر حققت مكاسب دبلوماسية وسياسية عديدة خلال الفترة الماضية، وبدأت تستعيد عافيتها، وتجتذب السياح من جديد بعد استقرار الأوضاع الأمنية إلي حد كبير، والضربات الناجحة التي وجهتها للإرهاب في سيناء. فهذه السفارات لم تُقدم علي هذه الخطوة بهذا الشكل الفج والمبالغ فيه، في وقت كانت الأوضاع فيه مضطربة بالفعل.. فما الذي دفعها لذلك الآن؟ غير أنها تضغط علي القيادة المصرية لتحقيق مكاسب ما.. وهو ما دفع أيضًا سفارة روسيا لأن تؤكد في بيان لها أن الوضع الأمني حول السفارة جيد ولا توجد أي تهديدات، وأنها تعمل دون أي مشاكل تواجهها. ما حدث رغم أنه أزعج البعض، بوصفه مؤشرًا علي أن مصر تواجه تحالفًا دوليًا كبيرًا يرفض استقلالها بالقرار، إلا أنه دليل جديد علي أن مصر ماضية في الطريق الصحيح. 'البوب'.. وجمال عيد بعد الفضيحة الأخيرة التي كشفت عنها لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي حول أساليب الاستجواب الوحشية التي استخدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الCIA في التحقيق مع المشتبه فيهم بالإرهاب.. والتي تبدأ بالاغتصاب ومنع المتهمين من النوم لفترات تصل إلي 180 ساعة، ولا تنتهي بالإيهام بالغرق وتنفيذ إعدامات وهمية، ومنع المعتقلين من قضاء الحاجة، إلخ.. بعد الفضيحة توقعت أن أستمع إلي بيانات متوازنة ممن صدعونا بالحديث عن واحة الديمقراطية، يهاجمون فيها واشنطن من باب ذر الرماد في العيون ولو حتي من وراء قلوبهم فإذا بهم يبتلعون ألسنتهم ويكتفون ببعض التصريحات الباهتة. فهذا د.محمد البرادعي الذي استقال من منصبه كنائب للرئيس السابق عدلي منصور، بعد فض بؤرتي الإرهاب في 'رابعة العدوية' و'النهضة' كتب علي 'تويتر' يقول: 'الكشف عن تقرير الكونجرس بشأن التعذيب الأمريكي للرأي العام، يؤكد أن فضيلة الديمقراطية هي تصحيح الأخطاء'. يا سلام علي فضيلة الديمقراطية!! الأطرف من تعليق البرادعي ما كتبه جمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان علي 'تويتر'، فقد تجاهل فضيحة التعذيب تماما وراح يدافع عن المنظمة الحقوقية الأمريكية 'هيومن رايتس ووتش' التي اتهمتها القوي الوطنية بالتواطؤ مع الإخوان وقال ساخرًا: 'هيومن رايتس ووتش عاملة تقرير تهاجم فيه الCIA لأنها تمارس التعذيب.. طول عمري اقول عليهم خلايا نايمة، من ساعة ما قالوا رابعة مذبحة'. أعتقد أنه كان من الأفضل أن يتجاهل علوج الCIA علي رأي وزير الإعلام العراقي سعيد الصحاف القضية وكأنهم لم يسمعوا بها كما يغضون البصر عن جرائم الإخوان بدلا من أن يرددوا هذا الكلام 'البايخ'.. وكنا سنلتمس لهم العذر، فمن الصعب أن يهاجموا أولياء نعمتهم في البيت الأبيض!!.