أصدر مرصد الفتاوي التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية تقريرًا جديدًا يرصد فيه ما يرتكبه تنظيم منشقي القاعدة التكفيري 'الذي يُطلق عليه إعلاميًّا تنظيم داعش' من جرائم بحق المرأة تحت غطاء أوامر الإسلام وأحكامه. وأكد تقرير دار الإفتاء في رده علي أن الإسلام نهي عن قتل النساء في الحرب، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: 'وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلي الله عليه وسلم فنهي الرسول الكريم عن قتل النساء والصبيان'. كما حثَّ الإسلام علي معاملة الأسري معاملة كريمة لا تهان فيها كرامتهم ولا تنتهك حرمتهم، دون اعتبار لاختلاف الجنس أو الدين أو كونه من الأعداء، وعَدَّ تلك المعاملة من صفات الأبرار، حيث قال الله عز وجل: 'وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَي حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا'، حيث وضع الإسلام القواعد والأسس التي يحمي بها الأسير ويصون كرامته وإنسانيته ويرفع الظلم عن المظلومين وينشر العدل والرحمة بين الناس، وينقل الإنسان- كل الإنسان- من تلك المعاملة المهينة الهمجية التي يعامل بها أخاه الإنسان ليرقي به إلي السلوك الإنساني القويم الذي لا فضل فيه لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي. وأضاف التقرير أن التنظيم الإرهابي خالف جميع أحكام الإسلام ومبادئه في معاملة المرأة في الحروب، فقد قتل وسبي النساء وأعاد إحياء فصل كريه من فصول التاريخ البشري الذي أجمعت دول العالم علي تحريمه وتجريمه، حيث أعاد إحياء الرق ليخرق المواثيق التي أجمع عليها العالم كله، واتخذ من النساء سبايا، ليستأنف من جديد الفتنة والفساد في الأرض، والفحشاء باستئناف شيء تشوَّف الشرع إلي الخلاص منه بل وأمر به. ولفت التقرير إلي أن النساء تعتبر عنصرًا مهمًّا بالنسبة للتنظيمات الإرهابية في جذب مزيد من الأعداد المنضوية تحت لوائه، حيث نجد انتشار ظاهرة سبي النساء واستعبادهن مما يؤكد استغلال هذا التنظيم للنساء بغية تحقيق أهدافه من خلال تفسيرات خاطئة لمفهوم الجهاد في الإسلام ليلبس علي قليلي العلم والعقل من شباب المسلمين دينهم، حيث حول النساء إلي سبايا وعبيد جنس يتم بيعهن لمن يدفع أكثر. وفي إطار رصده لانتهاكات التنظيم التكفيري الإرهابي، أكد مرصد دار الإفتاء علي أن هذا التنظيم يشكل خروجًا عن المألوف، عند الحديث عن وضع المرأة داخل التنظيمات الإرهابية التكفيرية، حيث عمد إلي تغيير الصورة المرسومة عن حجم العنف الذي يمارس ضد المرأة داخل هذه التنظيمات الإرهابية، ليحولنا إلي النقيض تمامًا حيث العنف الذي تمارسه المرأة، وأن هذا التنظيم الإرهابي عمد إلي تجنيد النساء منذ اللحظة الأولي لظهوره، حيث أنشأ عدة كتائب تحت مسميات مختلفة، يستغل فيها النساء كمحاربات ضد النساء أو كميليشيات إلكترونية تهدف إلي جذب مزيد من العناصر النسائية للتنظيم حول العالم. وتعد كتيبة الخنساء هي النموذج الأبرز لدور المرأة داخل ذلك التنظيم التكفيري الإرهابي، حيث لا يحق للمرأة أن تخرج دون محرم أو أن تكشف عن وجهها أو كفيها، وتتولي المرأة الداعشية بنفسها عمليات الاعتقال والتعذيب التي تمارس ضد النساء اللاتي خرجن عن قواعد التنظيم. كما كشف التقرير أن تأسيس كتيبة الخنساء- إضافة لدور الرقابة الديني الذي تلعبه- يبرهن علي حجم التحولات التي تحدث داخل التنظيمات الإرهابية، فقد ابتكر تنظيم داعش إجراءات وأساليب جديدة تختلف عما كان معهودًا في تنظيم القاعدة- التنظيم الأم الذي انشق عنه- حيث سمح تنظيم داعش للنساء بلعب المزيد من الأدوار التنفيذية، مما يمثل عنصر جذب للنساء والفتيات اللاتي قد يجدن فيه أحد أشكال تحرر المرأة داخل تلك المجتمعات المتطرفة شديدة الانغلاق. وحول الدور الإعلامي الذي تلعبه المرأة داخل التنظيم، أفاد التقرير أن التنظيم لم يكتف بحشد الأنصار من الشباب، ودعوة الأحداث منهم إلي تنفيذ عملياته الانتحارية، بل تجاوز ذلك إلي تحويل النساء إلي ميليشيات إلكترونية، والتي بدأ التنظيم فيها أخيرًا بشن حرب قوية، حيث تعد مواقع التواصل الاجتماعي هي ساحة الحرب لمن أسمين أنفسهن ب'المناصرات'. كذلك فقد دشَّنت مؤسسة جديدة خاصة بالنساء تحت اسم 'مؤسسة الزوراء'، لتعليم النساء وإعدادهن للحروب وحمل السلاح، وكذلك تعليمهن كيفية الإسعاف في وقت الحروب، وتدريبهن علي العمل الإعلامي، للعمل علي استقطابِ أكبر قدر ممكن من النساء للتنظيم. وتتضمن هذه المواد الإعلامية إرشادات للمرأة حول كيفية دعم الجهاد، ومعرفة دورها في دعم المجاهدين، وهذه تعد المرة الأولي التي يقدم فيها تنظيم إرهابي تكفيري قائم علي العنف والقتل معلومات تتعلق بالمرأة. ومن جهة أخري، رصد التقرير أهم وأبرز الأسباب التي تدفع بالنساء إلي الانضمام لهذا التنظيم دون غيره من التنظيمات التكفيرية الأخري، منها: محاولة التكفير عن الذنوب والحياة الصاخبة التي عاشتها في السابق، عن طريق الجهاد علي حد قولهم، وهو ما دفع الكثيرات منهن لترك حياتهن الهانئة والذهاب إلي المجهول، إضافة إلي حب المغامرة، والمشاركة في قتال الكفار والدولة الإسلامية علي حد زعمهم، كلها عناوين قد تغري صغار السن من الفتيات للذهاب فيما تعتقد أنه تجربة مثيرة، من دون الاكتراث بالنتائج والعواقب. أضاف التقرير أن هناك عنصر جذب آخر للنساء في تلك التنظيمات، قد يظهر جليًّا في مدي الدعم والإعجاب المتحمس الذي يظهر بوضوح عبر شبكات التواصل الاجتماعي من نساء مسلمات أوروبيات يعبرن عن دعمهن لنساء داعش، وهذا يرجع إلي الرغبة في تحدي تلك الصورة النمطية الغربية عن المرأة المسلمة الضعيفة مهضومة الحقوق، بصورة أخري لنساء يحملن السلاح وقادرات علي تنفيذ أقصي عمليات القتل وحشية بأيديهن، وربما نوع جديد من الثقافة الناشئة التي تطلق عليها 'سلطة الفتاة الجهادية' والذي غالبًا ما يأتي علي حساب نساء أخريات، إضافة إلي ذلك فهناك سبب آخر، وهو تزايد حدة الإسلاموفوبيا وصعود الأحزاب اليمينية في أوروبا من الأسباب التي تدفع الفتيات الغربيات إلي الانضمام للتنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلي أن طفولة تلك الفتيات أيضًا تلعب دورًا مهمًّا في ذلك، حيث تعتقد أغلبية الفتيات بأنه 'ليس لهن مكان في المجتمع الذي يعشن فيه، ويشعرن بالإقصاء من جهات كثيرة، حتي من بعض المسلمين'. وأكد التقرير علي أن نساء منشقي القاعدة لسن سوي أدوات تستغلها قيادات داعش لتحقيق أهدافها، في ظل رعبهن من أن يتعرضن للممارسات المتطرفة من قبل هذا التنظيم التكفيري. وشدد علي أن جميع هذه الانتهاكات والخروقات الهمجية التي يرتكبها التنظيم الإرهابي بحق المرأة لا تمت لأي دين بصلة، وهي استغلال للمرأة باسم الإسلام، حيث كانت هذه الأفعال والانتهاكات الهمجية موجودة قبل وجود الإسلام، وجاء الإسلام وحرَّمها، فهو دين الحريات، واحترام كرامة الإنسان وحريته، أما هذه الجماعات التكفيرية التي تجتاح البلاد الإسلامية تعمل علي مبدأ إلغاء الآخر المختلف في الرأي والدين والجنس، مما يؤكد أن هذه التنظيمات الإرهابية هي أبعد ما يكون عن الإسلام وتعاليمه السمحة التي جاءت لإعلاء مكانة المرأة وصون كرامتها وتمكينها.