تحل اليوم ذكري وفاة احد رواد النهضة الفكرية ووزير التعليم علي مبارك، ولد علي مبارك في قرية برمبال والتابعة لمركز منية النصرحاليا ونشأ في أسرة كريمة، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ودفعه ذكاؤه الحاد وطموحه الشديد ورغبته العارمة في التعلم إلي الخروج من بلدته ليلتحق بمدرسة الجهادية بالقصر العيني سنة 1835م' وهو في الثانية عشرة من عمره، وبعد عام ألغيت مدرسة الجهادية من القصر العيني وانتقل علي مبارك مع زملائه إلي المدرسة التجهيزية بأبي زعبل. اختير ضمن مجموعة من الطلاب النابهين للسفر إلي فرنسا في بعثة دراسية سنة 1849م، واستطاع بجِدّه ومثابرته أن يتعلم الفرنسية حتي أتقنها، ولم يكن له سابقة بها قبل ذلك، وبعد أن قضي ثلاث سنوات في المدفعية والهندسة الحربية، وكان معلمه في الحربية هو محمود مليجي وظل بها عامين، التحق بعدهما بالجيش الفرنسي في فرنسا للتدريب ولم تطل مدة التحاقه، إذ صدرت الأوامر من عباس الأول الذي تولي الحكم بعودة علي مبارك. تولي الخديوي إسماعيل الحكم في 18 يناير 1863 وكان قد زامل علي مبارك في بعثة الأنجال, فاستدعاه فور جلوسه علي عرش البلاد، وألحقه بحاشيته، وعهد إليه قيادة مشروعه المعماري العمراني، بإعادة تنظيمالقاهرة علي نمط حديث: بشق الشوارع الواسعة، وإنشاء الميادين، وإقامة المباني والعمائر العثمانية الجديدة، وإمداد القاهرة بالمياه وإضاءتها بالغاز، ولا يزال هذا التخطيط باقيًا حتي الآن في وسط القاهرة، شاهدا علي براعة علي مبارك وحسن تخطيطه. ترك علي مبارك مؤلفات كثيرة تدل علي نبوغه في ميدان العمل الإصلاحي والتأليف، فلم تشغله وظائفه علي كثرتها وتعدد مسئولياتها عن القيام بالتأليف، وتأتي الخطط التوفيقية علي رأس أعماله، ولو لم يكن له من الأعمال سواها لكفته ذكرًا باقيا، وأثرًا شاهدًا علي عزيمة جبارة وعقل متوهج، وقلم سيّال، يسطر عملاً في عشرين جزءًا يتناول مدن مصر وقراها من أقدم العصور إلي الوقت الذي اندثرت فيه أو ظلت قائمة حتي عصره، واصفًا ما بها من منشآت ومرافق عامة مثل المساجد والزوايا والأضرحة والأديرة والكنائس وغير ذلك. وله كتاب علم الدين وهو موسوعة ضخمة حوت كثيرًا من المعارف والحكم، ويقع في أربعة أجزاء، تحوي علي 125 مسامرة، كل واحدة تتناول موضوعًا بعينه كالبورصة، والنحل وأوراق المعاملة، والهوام والدواب. إلي جانب ذلك له كتب مدرسية منها: تقريب الهندسة حقائق الأخبار في أوصاف البحار، والمهندسين، و سوق الجيوش و لاستحكامات العسكرية. كانت نظارة المعارف في وزارة رياض باشا آخر مناصب علي مبارك فلما استقالت سنة 1891لزم بيته، ثم سافر إلي بلده لإدارة أملاكه، حتي مرض، فرجع إلي القاهرة للعلاج، فاشتد عليه المرض حتي وفاته المنية في 14 نوفمبر 1893.