'جماعة الإخوان.. رؤية نقدية فقهية'، مقاربة نوعية جديدة لجماعة الإخوان المسلمين، يطرحها الأستاذ الدكتور أحمد محمود كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف. الكتاب طبع بدار 'غريب' 2014. يحاول الدكتور كريمة في مقاربته تفكيك بنية خطاب جماعة الإخوان المسلمين، وتأمُّل فلسفة هيكلها التكويني، ورصد وسائلها وغاياتها من منظور الشرع الحنيف، باعتباره متخصصًا تخصصًا دقيقًا فلي الفقه المقارن، ويولي قضايا الإسلام السياسي عناية خاصة، فقد تصدي لتصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة في مؤلفات عدة منها: 'قضية التكفير في الفقه الإسلامي'، 'قضية الحكم بغير ما أنزل الله تعالي'، 'فتنة التكفير'، 'السلفية بين الأصيل والدخيل'. عالجت الرؤية النقدية الفقهية الشاملة، كثيرًا من القضايا والمفاهيم التي تتجاوب في فضاء الإسلام السياسيّ بوجه عام، وتلك التي تعتمل داخل تنظيم الإخوان المسلمين علي نحو خاص ومفصّل. فمن المفاهيم التي أضاءها الكتاب: مصطلح أهل السنة والجماعة، أهل الحل والعقد، البيعة، الخلافة، التحرز من تكفير المسلم، أحاديث الافتراق والفرقة الناجية. ومن قضايا الإخوان الملحّة، التي تعرّض لها د.أحمد كريمة بالتحليل والتفنيد والمساءلة الفقهية: غموض الفكر، البيعة، شخص المرشد، الهيكل التنظيمي لجماعة الإخوان، التنظيم الخاص لجماعة الإخوان، العنف المسلح، العنف الفكريّ، دعوي جاهلية المجتمع المسلم، زعم الحاكمية، الغلو في الدين، إيجاد الفُرقة والتنازع، إعانة رموزهم الظالمة. تمثل قضية استعادة الخلافة الإسلامية، التي سقطت رسميًا في 3 مارس 1924، القضية المركزية لكل فواعل الإسلام السياسيّ وفي المقدمة منهم جماعة الإخوان المسلمين، يرفعونها كقميص عثمان شارة وشعارًا، ويجعلون منها ذريعة للوصول إلي كرسيّ الحكم وأبهة السلطان، ويرون فيها الشكل الوحيد للحكم الإسلامي المنشود.وإلي عكس هذا، تمامًا، يذهب الفقيه المؤصِّل الدكتور أحمد كريمة، فهو يري أن 'نظام الحكم في الإسلام متروك للعرف دون إلزام ديني بنظام معين، وهذا من واقع الشريعة بنصوص شرعية، دون اعتداد باجتهادات فقهية للفرق بين الشريعة بنصوصها المقدسة، والفقه كفهم بشريّ عرضة للصواب والخطأ لهذه الشريعة،...... ، لأن الدولة من الشئون الاجتماعية وليست من الشئون الدينية البحتة، ومن براهين هذا اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في اسم وصفة الخليفة من جهة، وتنوع وصول الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم إلي الولاية الكبري، ونظم الحكم الوراثي بالمُلك العضوض لدي الأمويين، والمُلك المتغلب لدي العباسيين والأتراك، ولو كان هناك نص ملزم للحكم السياسيّ ما وُجد هذا الخلاف والتنوع والتعدد، بما يدل علي أن نظام الخلافة عمل دعوي لحراسة الدعوة ورعاية شئون المجتمع لا لأعمال سياسية، وأن الاجتهاد العقلي البشريّ هو أساس هذا الحكم المدني وبالتالي فإن القول بإعادة 'الخلافة' تسويق لشعارات جماعات وفرق سياسية تتاجر بها مع إدراكها حاليًا الاستحالة الاجتماعية والسياسية الداخلية والخارجية لها، ولعدم الحاجة الفعلية لها، والخلافة الراشدة لا ننكرها إلا أنها وُجدت لضرورات ومقتضيات تخالف عصرنا.'أ.ه. وللفقيه الدكتور أحمد كريمة كثير من المآخذ الشرعية علي جماعة الإخوان المسلمين، يتصدر تلك المآخذ: 'غموض الفكر'، وهذا الغموض ناتج عن خلط الدين بالسياسة، فأهداف الجماعة في الحقيقة 'سياسية مغلفة بغلاف الدين كشأن فرق الخوارج في الماضي والحاضر، ولذا فالمجند الإخواني لا يعرف في واقع الأمر ما الذي تسعي إليه جماعته تحديدًا: هل تطبيق الشريعة الإسلامية بينما تقيم تحالفات مع أحزاب ليبرالية وعلمانية؟! ولا توجد أية دراسات لتفعيل التطبيق، هل لإقامة دولة دينية كالشيعة؟ هل لمشروع إسلاميّ لا وجود له سوي في خطب وبيانات؟ هل.. وهل.. لا يعرف وجهة الجماعة التي تتأرجح أدبياتها وتتبدل وتتغير بين عشية وضحاها، فالغموض سيد الموقف.'. ومن المآخذ التي يثيرها د.كريمة أيضًا 'شخصية المرشد'، الذي يضفي عليه أعضاء الجماعة هالة مبهرة من القداسة، ويرفعونه فوق مستوي النقد والمساءلة والمراجعة والمؤاخذة، مع أن الخلفاء الراشدين المهديين أنفسهم لم يكونوا ليسمحوا لأنفسهم بشيء من ذلك، وقد رأينا ما فعله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين راجعته امرأة وهو علي منبر النبي صلي الله عليه وسلم فأقر بخطئه في تواضع، قائلاً: 'أصابت امرأة وأخطأ عمر'. فالإخوان المسلمون كما يلاحظ الدكتور كريمة جعلوا 'قداسة شخص المرشد وعصمته كبابوات المسيحيين وأئمة الشيعة الإمامية.. وهي قداسة إن لم تجاوز مكانة الأنبياء والرسل عليهم السلام فلا أقل تماثلهم.. وأن الإخوان استدلوا بنصوص شرعية جاءت في حق الرسول صلي الله عليه وسلم وأنزلوها في حق المرشد.. وهو ما أسهم في إيجاد قطيع من البشر يسيرون دون أدني تبصُّر وراء المرشدين دون أي تفكير ولا إبداع...'. وإذ يجعل د.كريمة من أهداف كتابه أنه 'يحذر مفتونًا، وينبه غافلاً، ويوقظ ساهيًا.. ، فإنه ينوه بمضارّ وأخطار جماعة الإخوان المسلمين، وأول المضارّ التي يراها وهو علي حق هو 'العنف الفكريّ'، لأن العنف الفكريّ هو المهاد المؤسس للعنف المسلّح، فالرصاصة لا تنطلق إلا بناءً علي فتوي أو رأي، ينبني عليهما اعتقاد يسهل في سبيله القتل والحرق وسائر الموبقات. ويتخذ د.كريمة من كتاب 'معالم في الطريق' لسيد قطب، نموذجًا واضحًا للعنف الفكريّ بما تضمنه من قضايا غاية في الخطورة مثل 'الحكم علي المجتمعات المسلمة كلها بالجاهيلة تبني قضية تكفير المسلمين الدعوة إلي الحاكمية وجعلها ذريعة لأعمال العنف المسلح التحريض علي قلب أنظمة الحكم في بلاد إسلامية وعربية بدعوي 'الجهاد''. ومن ثم فإن كتاب 'معالم في الطريق' يُعدّ 'لغمًا فكريًا يعيد فكر الخوارج في استحلال الدماء والأموال والأعراض.. وهو دستور حركي عملي لجماعة الإخوان ويُعد أساس كل العمليات الإرهابية في فصائل الإرهاب، لتكون جماعة الإخوان وقود إراقة الدماء والأموال والأعراض.' هذا بالإضافة إلي ما يقود إليه 'الغلو في الدين' من : 'التعصب للرأي التشدد في غير موضعه الغلظة والخشونة سوء الظن بالناس'. وفي نهاية رؤيته النقدية الفقهية، يخلص د.أحمد كريمة إلي جملة من النتائج المهمة، التي تحدد كُنه جماعة الإخوان المسلمين وتشخّص أحوالها، وتتنبأ بمآلها، وربما كان من أخطر تلك النتائج هي أن 'جماعة الإخوان امتداد وإحياء لفكر 'الخوارج' المناقض لصحيح الإسلام'.