عاد الكاتب الأمريكي توماس فريدمان بالأذهان إلي حقبة الستينيات من القرن الماضي، والمسلسل التليفزيوني الكوميدي 'جيت سمارت' بطولة دون أدامز الذي جسّد شخصية 'ماكسويل سمارت' أو 'العميل 86″. ورأي فريدمان -في مقال نشرته صحيفة 'نيويورك تايمز'- أن صناع هذا المسلسل سبقوا عصرهم، مشيرا إلي أن المسلسل طرح تصورا خاصا للعالم ثنائي القطب، إذ كان 'سمارت' يعمل لصالح وكالة الاستخبارات 'كنترول' أو النظام، مقابل وكالة 'كايوس' أو الفوضي، وهي منظمة دولية للشرّ. وقبل أن يتحدث عن النظم العالمية الراهنة، رأي فريدمان أن يودّع أولا الإمبريالية وأخواتها من نُظم التحكم أو إدارة الأراضي، وأن يودّع أيضا نظام تحالف الحرب الباردة، الذي أثمر العديد من الكيانات الضعيفة والدول حديثة الاستقلال التي لديها ما يكفي من الأموال لإرساء بني تحتية وشراء أسلحة للسيطرة علي حدودها وشعوبها، لأن استقرار كافة مربعات لوحة الشطرنج العالمية كانت تهّم كلا من واشنطن وموسكو. ولم يفُتْ فريدمان أن يودّع أيضا، الممالك والأنظمة الاستبدادية ذوات القبضات الحديدية، التي أطاحت بها شعوبها مسلحة بسلاح التقدم التكنولوجي والمدنية. ورأي صاحب المقال أن عالم اليوم يضم ثلاثة أنظمة رئيسية للحكم: نظام ديمقراطي وحكومات تمثل كافة أطياف المجتمع، ونظام آخر استبدادي وحكومات إقصائية، ونظام ثالث فوضوي بلا حكومات، حيث الدول الفاشلة والجماعات المسلحة والقبائل والقراصنة والعصابات المتبارية علي السيطرة والتحكم، ولا مركزية القوة. ولفت فريدمان إلي: 'بوكو حرام' في نيجيريا، التي خطفت 250 تلميذة ثم استخفت برُكن مظلم من الدولة، وإلي 'داعش' في العراقوسوريا، وهو تنظيم يقيم خلافة داخل سورياوالعراق وينشر مقاطع فيديو بينما يذبح خصومه. والتفت إلي ليبيا، وما خلّفه حلف شمال الأطلسي 'ناتو' بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي من حرب قبلية مسلحة يشنها الجميع ضد الجميع.. وأضاف فريدمان المشهد المضطرب في تشاد إلي المشهد الليبي ورصد تسرّب الأسلحة وقوافل اللاجئين عبر الحدود الأفريقية وما يشكله ذلك من تهديد لكل من تونس والمغرب. ورصد في هذا الصدد دخول أكثر من 50 ألف لاجئ إريتري وسوداني إلي إسرائيل عابرين صحراء سيناء الشاسعة سيرا علي الأقدام أو عبر الحافلات أو السيارات بحثا عن العمل والأمان في إسرائيل أو 'جزيرة النظام'، بحسب وصف فريدمان اليهودي. ورصد أيضا دخول أكثر من 50 ألف طفل من جواتيمالا والسلفادور وهندوراس إلي الولاياتالمتحدة فقط منذ أكتوبر الماضي.. ورأي فريدمان أن هؤلاء الأطفال أرسلتهم عائلاتهم كل هذه الرحلة الطويلة صوب الشمال نأيًا بهم عن المخاطر التي تتهددهم في أوطانهم. وتساءل فريدمان عن سبب حدوث كل ذلك في الوقت الراهن تحديدا؟ ورأي أن الدول الضعيفة التي أثمر عنها نظام تحالف الحرب الباردة لم تعُدْ قادرة بمفردها علي توفير الحد الأدني من الأمن والوظائف والصحة والرعاية لمواطنيها، وبفضل التطور الهائل في السوق 'العولمة'، وتغيرات الطبيعة 'التغير المناخي والانهيار البيئي' وقانون مور 'القوة الحاسوبية'، فإن بعض هذه الدول انهارت تحت نير هذه الضغوط المستجدة. وأضاف الكاتب الأمريكي: 'نعم، لقد فجّرنا العراق، لكن لا يمكن فهم الثورة في سوريا ما لم نفهم كيف أدي الجفاف القاتل الذي ضرب البلاد أربع سنوات، مصحوبا بانفجار سكاني، إلي تقويض اقتصاد الدولة'. وتابع فريدمان 'لا يمكن فهم الثورة المصرية دون الحديث عن أزمة القمح العالمية 2010 وارتفاع أسعار الخبز، والتي ألهمت مناوئي نظام حسني مبارك بترديد شعار:'عيش، حرية، كرامة إنسانية'.. لا يمكن فهم الأزمة في مصر دون فهم التحدي الذي فرضته عمالة الصين العملاقة في عالم صغير علي كافة الدول متدنية الأجور... إدخل أي بازار في القاهرة واشتري مرمدة سجائر علي شكل هرم واقلبها علي ظهرها، أراهنك ستجد مكتوبا عليها 'صُنع في الصين'... وأكد صاحب المقال أن نظام العولمة الراهن يصُّب في صالح الدول التي تؤهل عمالها لسوق العمل بينما يضّر الدول الأخري. ومضي فريدمان: 'لا يمكن الوقوف علي سبب انتشار وتوسّع تنظيم 'داعش' أو الربيع العربي دونما ربط ذلك بالتطور المستمر في أنظمة الاتصالات ووسائل التواصل عبر الإنترنت التي تتمكن بفضلها مجموعات صغيرة من تحدي دول قائمة ومحْو حدودها.. في عالم مستوٍ، يستطيع الناس الرؤية والتنظيم للاحتجاج علي نحو أفضل من أي وقت آخر.. عندما تستطيع التكنولوجيا الاختراق علي نحو أسرع مما تستطيعه الثروة، عندئذ يتعيّن الاحتراس'. واختتم فريدمان مقاله بالدعوة إلي عدم تحميل اللوم في كل ما يحدث علي عاتق الرئيس الأمريكي باراك أوباما، علي الرغم من توفر العديد من المبررات لانتقاده... 'لكن ثمة قوي ضخمة تؤثر علي مجريات الأمور في تلك الدول، وهذه القوي تتطلب لاحتوائها تعاونا استثنائيا من العالم 'المُنظَم' بأكمله'.