هو اليكسي مكسيموفيتش بيشكوف ويعرف بمكسيم غوركي ولد في نجني نوفجراد 28 مارس 1868، أديب كاتب وروائي ومسرحي وناشط سياسي ماركسي روسي، أسس مدرسة الواقعية الاشتراكية التي تجسد النظرة الماركسية للأدب حيث يري أن الأدب مبني علي الاقتصاد في نشأته ونموه وتطوره، ويؤثر في المجتمع بقوته الخاصة، لذلك ينبغي توظيفه في خدمة المجتمع. وتعني كلمة جوركي باللغة الروسية 'المر' وقد اختارها الكاتب لقبا مستعارا له من واقع المرارة التي كان يعاني منها الشعب الروسي تحت الحكم القيصري والتي شاهدها بعينه خلال المسيرة الطويلة التي قطعها بحثا عن القوت، وقد انعكس هذا الواقع المرير بشكل واضح علي كتاباته وبشكل خاص في رائعته 'الأم'. ولد جوركي لأباً نجاراً وقد مات وعمر الطفل أربع سنوات فذهبت به أمّه إلي بيت أهلها وسرعان ما ماتت هي الأخري وتركت الطفل وتولت جدته تربيته, وكان لها أسلوبها القصصي المميز، مما أصقل مواهبته القصصية. والذي كان وفاتها له أثره السلبي عليه مما جعله يحاول الانتحار. دخل جوركي المدرسة ولكنه في الصف الثالث اضطر للعمل في البيوت يجمع الورق والخرق ويبيعها كي يستمر في المدرسة التي أجبر علي تركها بعد ذلك، ليشتغل صبيّاً في حانوت.. ثم يغسل الأطباق ويمسح الأرض عند أحد المهندسين.. وهرب. ثم اشتغل حمالاً علي شواطئ نهر الفولغا وعمره إحدي عشرة سنة.. وبعدها اشتغل في سفينة حيث انتهت طفولته التي لم يعشها.. وبدأ حياته ' مع الناس' - كماسمّي أحد كتبه - بواباً وحمالاً وصيّاد سمك. بدأت حياة غوركي هذه مع الناس الذين أثر بعضهم فيه بعمق.. منهم تلك الجدة التي سبق ذكرها بقصصها وأغانيها الشعبيّة والثاني طاهي السفينة التي كان يعمل بها ' غوركي' والذي كان مولعاً بالمطالعة حيث نقل هذا الولع إلي الصبي المشرد 'غوركي'. ومن المؤكد أنَّ الطفولة المفقودة في حياة كاتبنا كانت وراء فكرته النَّبيلة بإنشاء مكتبة الأدب العالمي للأطفال لأنه أدرك من خلال طفولته أهمية الكتاب في تربية الفتيان الروحية، ورغم أن هذا الحلم لم يتحقق في حياته إلاّ أنه تجسَّد وصار حقيقة فيما بعد. قضي جوركي حياةً مُرَّةً من البؤس والمذلة، وكان يحبُّ المطالعة ويتردَّد علي الجمعيات السرية، حيث يكثُر الطلاب الناقمون علي الأوضاع القاتمة، وما انطوت عليه من فساد واستبداد.من هذه الحياة استقي روايته 'حياة بلا فائدة'، التي يعرض فيها لشخصية الشاب 'كليمكوف' اليتيم، الذي يتحول إلي مُخبر لصالح الشرطة القيصرية، ويتجسس علي أفراد محيطه من الطلاب، وينتهي الأمر به كخائن لشعبه، فينتحر تحت عجلات القطار. جاس بعد ذلك علي قدميه في أنحاء الإمبراطورية الروسية, لمدة خمس سنوات غير خلالها عمله عدة مرات, وجمع العديد من الانطباعات التي أثرت بعد ذلك في أدبه. ويُعدُّ غوركي من آباء الأدب الواقعي الاجتماعي الروسي، فالكثير من أعماله الروائية والمسرحية والقصصية مجَّدت الشعب الروسي قبل وبعد ثورة 1917، ومن أشهر أعماله الروائية 'الأم' التي تعدُّ نموذجاً واضحاً لتناول الحياة الاجتماعية ذات الصبغة الثورية، وتصنَّف من روائع الروايات العالمية. ويوظف غوركي مفاهيمه الأدبية في روايته 'المعلم'، التي تعرض لمرحلة عمله في شبابه، ففيها يسرد سيرة مرحلة المراهقة عندما كان فقيراً ووحيداً يجوب روسيا، ويعمل في المهن القاسية، فالبطل 'فاسيلي سيمينوف' أمّي، يعمل في مخبز يعيش فيه العمال حياة قاسية وصفها الكاتب. إنّ الكثير من الأعمال الروائية والقصصية للكاتب غوركي تحتوي علي وصف للمجتمع الروسي بتقاليده وفلكلوره ولغته وآماله، إذ نجد في روايته 'منزل أرتمانوف' عائلة تمتدُّ لثلاثة أجيال تبدأ في العام 1861، مع تحرُّر أحد الخدم لدي الإقطاع، ليؤسس مصنعاً صغيراً يتعاقب عليه أولاده وأحفاده، ويختار أحدهم طريق الثورة في العام 1917. تُرجمت إلي اللغة العربية العديد من الأعمال الروائية للكاتب غوركي، مثل 'الأم' في أكثر من ترجمة و'العبودية'، و'المهرّج' من ترجمة عدلي كامل في مصر، وترجم له الروائي السوري حنا مينا 'فرانكا أوليسوف'، وترجم الأب ميخائيل بطرس معماري، مجموعة قصص روسية معرَّبة فيها 'الحب الأول، أغنية عن صقر، الخنزير الخزفي، تيمورلنك والأم، وطنية أم، رفيقي'، وترجم له سهيل أيوب، ' طفولتي، مالفا' ومؤلفات المختارة له في ستة مجلدات. هذا ويعد غوركي من أكثر الكُتَّاب الروس شعبية في بلدان المشرق العربي، وكتب غوركي للمسرح أكثر من عمل منها 'فاسا جيليزنوفا' التي ترجمها إلي العربية مطانيوس مقدسي، ومسرحية 'البرجوازي الصغير' التي عُرضت علي منصة مسرح موسكو في العام 1902، حيث ذاع صيته بعد عرضها، وتحولت أعماله 'ايغور بولتشين، ودستي غاييف' إلي أعمال مسرحية هامة في المسرح الدرامي الروسي. سجن غوركي حين غضب عليه القيصر، وسانده في هذه المحنة الكاتب والمسرحي أنطوان تشيخوف وكوريلنكو لحين خروجه من السجن، إذ أسس مجلة شهرية متأثراً بتولستوي، ونشر فيها ترجمات عديدة لأعمال أدبية من كافة أنحاء العالم. حقق غوركي مجداً أدبياً وإنسانياً بقوة فنه، وعمق مفرداته، التي وصلت إلي أعماق العقول والقلوب الروسية والإنسانية، لتلمسه قضايا وحياة المظلومين في روسيا والعالم.