ليس من الصعب أن يكتب الإنسان عن سنوات الثورات المصرية، التي حرمت الشعب من أشكال الحياة العادية، ولكن عندما نتحول من الإخوان الي الشجعان، نشعر بمتعة ما عانيناه سابقا من متاعب وآلام ، بصرف النظر عن الفترة الزمنية العصيبة التي ورثناها بحكم الإخوان، وكانت غنية بمبادئ العنف والقتل وتوبيخ الرأي الآخر. كان عاما لإنتاج شكل من أشكال العقد الاجتماعي أساسه عدم قبول النقد، وترويض القوانين للاضطهادات القومية والطبقية، وخدمة مصالح الجماعة، وفهمه علي أنه حقيقة إنسانية. وكان النتاج الاجتماعي أن سمات التواصل بين الأفراد معدومة، كوسيلة بقاء كيانه السياسي القبيح. فكان في خضم هذا الواقع الماضي المحزن والمخزي والمرير، الذي فرق الشعب بل ملأهم بالأحقاد والكراهيه والعنف، وجعلهم طوائف وشعوبا متناحرة ومتنازعة، وأصبحت كل أفكار الديكتاتوريه معكوسة في واقع الحياة الاجتماعية، وما كان للرئيس المعزول والحكومة أي هدف سوي تمجيد لتلك المفاهيم القاسية، وتبرير لمعني الاستبداد، وكانت هذه الأساليب والمفاهيم البالية في العمل السياسي، توحي بأن المسألة ما هي إلا صراع دموي علي السلطة، وكانوا يستخدمون كل شيء من أجل إبقاء نظام ضعيف لتقوية السلطة. وكان من أكثر الأشياء رهبة وإرهابا هو النظام الشمولي الفاشل، أي تقديس الفرد وتأليهه، وتخويف المجتمع من النقد، وعدم وضع نواة لتكوين مؤسسات مدنية، وتكرار أعضاء الإخوان كالببغاء لمفاهيم النظام التسلطية، وسلخ الإنسان من إنسانيته، والإصرار علي جعله عبدا ذليلا لأفكارهم الظلامية والعنصرية والطائفية، فأصبح الفرد عدوا لأخيه وأخته وجاره وصديقه وزميله، بسبب تلك العنصرية والرأي الواحد والفتاوي المظلمة. إن ميكنة القمع الدموية والعنف الذي أنتجه نظام الإخوان، ومحاولة تقوية نفوذهم وسطوتها في المجتمع، عملت علي تراكم براكين من الغضب الشعبي، بموجب تصرفاتهم البلهاء، تنتظر الانفجار التلقائي، والغضب العفوي، للواقع الأليم، والمصير المأساوي، الذي كان ينتظر مصر والمصريين. فقامت ثورة 30 يونيو، وما أن سقط الإخوان، بدأت تظهر دلائل العنف المضاد المغذي بأبشع أنواع الفكر اللاهوتي. فبات الهدف الرئيسي لدي الإخوان هو الانتقام من الماضي بكل أشكاله وأفراده، ومن خلال الصفقات السياسية المقززة، والتعاون مع قطر، وتركيا، وحماس، والجزيرة، وإسرائيل، وأصبح الذبح، والقتل، والتفجير، والتدمير، الرد المباشر علي ثورة شريفة، قامت من أجل هيبة الدولة المصرية التي فقدتها طوال عام من حكم عنصري جائر، فتلاشت معالم الدولة والقوانين، وتغيرت المفاهيم الإنسانية، وبدأت الفتاوي الدينية المحرضة والقاتلة تنهال علي الناس، من قبل من أسموا أنفسهم شيوخا وهم في الواقع خائنون، أمثال القرضاوي. وكعادة شيوخ السلطان والجاه والمنصب، حرضوا علي الدم، وبدأ العنف مجنونا ففجروا وقتلوا المدنيين والعسكريين، فكان وقتا بلغ من البشاعة قسوته، علي التراث الإنساني. كان من الصعب في عهد الإخوان أن تتحول مصر بعد ثورة 25 يناير من الثورة الي الدولة، لأن الأمل كان ضعيفا في تكوين أمة مصرية، بل بات ضربا من الخيال، فكانت الأخونة بكل عنصريتها السخيفة في أوج عظمتها، وإبقاء هذه الثقافة والعنصرية بين الناس سيجعل من الثأر، والحقد، والعنف، والقتل، والغدر، مفاهيم مريضة سائدة، تعمل علي إبقاء دولة العشيرة والقبيلة والطائفية، ولا مجال ولا مكان ولا زمان لدولة القانون والمؤسسات، وستبقي المقصفة معلقة علي أعناق الجميع، وسيبقي السيف مبارزا حادا للمعارض والناقد. فضلا عن التقسيم الطبقي الذي طبقوه وأبقوه ومارسوه، فتألمنا كثيرا وتمنينا أن تنهض الجماعة من غفوتها وكبوتها، وإلغاء كل معالم العنصرية بكافة أشكالها، وكنا خاطئين عند حسن الظن فيهم، علي أنهم يحملون ملامح الساسة الجدد، وكانت الطامة الكبري، فلم يكونوا فقط لا يحملون أي بديل اجتماعي للماضي المرير، بل كانوا هم الماضي بذاته، وكانوا يحملون أفكار الأموات 'الضحية والجلاد' في آن واحد، حتي تهبط الي الهاوية. فكان من المستحيل أن تبني الدولة المدنية بأمثال عقول هؤلاء الأشخاص، مرسي وعاكف وبديع وحجازي والبلتاجي والعريان والشاطر والقرضاوي وغنيم وعبد المقصود وعبد الماجد والزمر. لذا قام شعب مصر بثورة 30 يونيو. وانتهت انتخابات رئاسة الجمهورية بفوز المرشح المشير عبد الفتاح السيسي ليقوم ومعه شعب مصر بتأسيس الدولة المصرية الجديدة، لتخرج من ثوب الإخوان لتلبس رداء الشجعان، تحت شعار 'من الإخوان الي الشجعان'. ومن أجل نقل مصر من الإخوان الي الشجعان، كان لابد من كسر القيود، وتجاوز عقدة الخوف مرة ثانية بثورة ثانية، وفعلا ملأت الشوارع بهتاف يصدح 'الشعب يريد إسقاط الإخوان' وسقطت معه ثقافة الرعاع والهمجية والميليشيات، التي وقفت حائلا دون تحويل مصر من الإخوان الي الشجعان، بعد أن تعرضت الي تضليل وتخريب مبرمج من قبل قوي معادية لمصر علي رأسها قطر وتركيا وإسرائيل، جنبا الي جنب مع الأنظمه الطاغية والجماعات الدموية، مثل حماس، وكتائب القسام، وأنصار بيت المقدس، وداعش، والقاعدة، وغيرهم. وكانت مصر ستصبح سودان وسوريا وليبيا وعراق لولا قيام ثورة 30 يونيو بمساندة جيش مصر العظيم. من هنا نلحظ تطور مأساوي علي همجية حكم الاخوان الذي يصب غضبه وحقده علي الشعوب، وكان علي الجيش والشعب طرح البديل حتي لا يكون الإخوان نسخة من نظام قمعي همجي سلطوي، رغم أنهم في نفس الوقت مارسوا نفس الهمجية التي اتهمت بها الآخرون. وكنا هنا بين اختيارين اضحين، إما أن تكون مصر دوله لها قدرها ومؤسساتها، أو أن تكون دولة عصابة تستولي علي الحكم، وتضطهد وتقمع من يعارضها، ومن هنا كان لزاما أن تكون دولة مليئة بالشجعان.