تقول حكمة صينية قديمة 'لاتلعنوا الظلام ولكن أوقدوا الشموع'.. ولاشك أن في حياة كل وطن من الأوطان وكل شعب من الشعوب عوامل مختلفة تسبب له الاخفاق وهذه حقيقة.. فالمستعرض لتاريخ أي شعب يدرك أنه مر بمراحل ضعف ومراحل قوة، وهذا كله مرهون بمدي اخلاص القوي السياسية المختلفة لهذا الشعب، وطريقة تعامل تلك القوي مع ما قد يؤدي إلي اخفاق المجتمع، كالتمييز العنصري وضعف التنمية في بعض الأقاليم والاضطهاد الديني والسياسي والعرقي، كل هذه عوامل تؤدي إلي اخفاق أي مجتمع مهما كانت مقدراته ومها كان يمتلك من قوة. فالأمة الراشدة هي التي تعرف حكمة قوتها فتكدح دون ملل أو كلل، ودون أن تذل وتخزي من أجل صالح الوطن للفوز بالجولة وتجنب الكبوة.. وما تعرض له الوطن العربي خلال السنوات الثلاث الماضية، من انقسام أو بالأحري تقسيم جعله يبتديء تاريخاً وينهي تاريخاً، حيث الوطن العربي التاريخي الذي نعرفه لم يعد كما كان، حيث تم تقسيم العراق والسودان والصومال.. وهذا يعني سقوط كل الدويلات الجديدة تحت سيطرة القوي الاستعمارية الجديدة التي غذت الصراع في الوطن العربي بين أطيافه السياسية المختلفة. ورغم أن ما حدث لم يكن هو المرة الأولي، حيث تم تقسيم الوطن العربي في العام 1916 علي حسب إتفاقية سايكس بيكو، ومع هذا فشلت الأمة العربية في تعلم دروس الماضي، فتكرر الماضي مرة أخري بكل مآسيه، فمن لم يتعلم من ماضيه فماضيه سيتكرر حتماً، نعم تكرر الماضي ونجحت قوي الشر في العالم بتكرار نفس السيناريو مرة أخري في ليبيا واليمن تحت لافات وشعارات جذابة لكنها كذابة. شعارات حملت اسم الثورة، لكنها في حقيقة الأمر تخفي وراءها مؤامرة علي دول شقيقة ورفقاء درب في الكفاح ضد الاستعمار. ولا سبيل أمام أمتنا العربية لاحباط ما يحاك ضدها من مؤارات للتقسيم الجغرافي وللتفتيت الديموغرافي إلا بالمبادرة إلي صياغة مشاريع جادة للوحدة الوطنية وللوحدة العربية. ألم يكن الاستعمار الانجليزي القديم والصهيو أميركي الجديد هو من حاول ويحاول دائماً ان يجزيء الوطن العربي ويفتت الدول العربية؟ والهدف هو تعويق طريقنا إلي التقدم، ولأنه لايريد أن يفقد مناطق نفوذه أو نقاط ارتكازه أو مواضع احتكاره التي كانت في الماضي، فإنه يعمل جاهداً علي بث التفرقة باحياء النزاعات التاريخية والحدودية والمذهبية والقبلية. ورغم أن تلك السياسة 'سياسة فرق تسد' سياسة استعمارية تقليدية، إلا أننا لم نعي الدرس وبمعني أدق يتغاضي البعض عن تلك المخططات العدوانية التي تستهدف تجزيء أوطاننا وتفتيت دولنا من أجل مصالح حزبية ضيقة. ولا يخفي علي أحد أن الأمة العربية مستهدفة لإعادة السيطرة الاستعمارية عليها بأشكال وبوسائل أخري، ولذا فلقد آن لها بشعوبها أن تدرك أنها معرضة لمشروع صهيو أمريكي يهدف إلي تفتيتها، والذين يتعامون عن ما يصبو إليه هذا المشروع من أجل مصالح حزبية ضيقة، إنما يقعون في الشراك الخداعية وعندها ستدور الدائرة عليهم وعلي البقية الباقية من الأمة العربية بعد أن أضحي الوطن الحبيب في فلسطين معراج رسولنا الكريم ومهبط الرسالات السماوية، والعراق بلد العلم والعلماء والحضارة، ولبنان والسودان وليبيا واليمن أشلاء. ولأن الشعبين المصري والسوري أدركا أهداف الاستعمار وكشفا أدواته في الداخل، فكُتب لهذه المؤامرة الفشل في مصر وسوريا.. ياقومنا أما آن للكسر أن ينجبر وللصدع أن يلتئم ونوقد شمعة نبدد بها الظلام الذي خيم علينا ونستثمر هذا الضوء في مطالعة كتب التاريخ ونتعلم الدرس؟.. المعركة ضد أمتنا ماتزال مستمرة ولابديل لنا عن مواجهتها، فلنوقد الشموع بدلاً من أن نلعن الظلام، ولنبدأ العمل الجاد لنستعيد ذاتنا وهويتنا ووحدتنا وقوتنا، ونحدد وجهتنا من الآن نحو الوحدة الوطنية ونحو الاتحاد العربي والتضامن العربي الإسلامي ونحو الاتحاد العربي الأفريقي، لبناء السد العالي أمام كل المؤامرات الاستعمارية القديمة والجديدة للتقسيم والتفتيت، وللتعامل مع العصر.. عصر الكيانات الكبري لا عصر الكيانات الصغري، حتي يمكننا اللحاق بركب التنمية والحرية والتقدم.