إن تشريع العدة في القرآن الكريم ليس له نظير في كل حضارات العالم القديمة، ومدونات الأديان وأحكام العدة عالمية باقية لأنها توافق الطبيعة البشرية. وهذا إن دل فإنما يدل علي أن الشريعة الإسلامية باقية خالدة صالحة لكل زمان ومكان. فالواجب علي كل مسلم التسليم لأمر الله تعالي والاستجابة لشرعه حتي وإن لم تتبين الحكمة من التشريع مع اليقين بأن الشريعة حكمة كلها وعدل كلها فإن علمنا الحكمة فبها ونعمت وإن لم نعلمها فلا يضر ذلك. مفهوم العدة وأهميتها الشرعية العدة: مده تتربص فيها المرأة لمعرفة براءة رحمها أو للتعبد أو للتفجعها علي زوجها. وأما أهميتها الشرعية: تتجلي في معان كثيرة أوضحتها الدكتورة آمال كامل عبد الرحمن أستاذ الفقه المقارن المساعد بجامعة الأزهر الشريف في النقاط التالية: 1 - الحفاظ علي عدم اختلاط الأنساب، ليظهر من خلال هذه الفترة ما إذا كانت المرأة حاملا أو غير حامل، فلا يبقي هناك مجالا للاشتباه، بينما يؤدي الزواج مباشرة بعد الطلاق إلي اشتباه المولود بين أن يكون ثمرة الزواج الأول أو الزواج الثاني. 2 - تعظيم حق الزواج ورفع قدره وإظهار شرفه. 3 - فتح المجال للعودة إلي بناء الأسرة المتهدمة بحادثة الطلاق، لان لحفاظ علي الحياة الزوجية، وتماسك الأسرة مما اهتم به الإسلام. أنواع المعتدات والمعتدات ثلاثة أنواع: 1 - معتدة بالحمل، وهي كل امرأة حامل من زواج إذا فارقت زوجها بطلاق أو فسخ أو موته عنها، فعدتها بوضع الحمل، ولو بعد ساعة لقوله تعالي ' وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ' الطلاق /4. 2 - معتدة بالقروء، وهي كل معتدة من فرقه في الحياة أو وطء في غير نكاح إذا كانت ذات قرء فعدتها القرء لقوله تعالي ' والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ' البقرة /228. 3-معتدة بالشهور، وهي كل من تعتد بالقرء إذا لم تكن ذات قرء لصغر أو بأس لقوله تعالي 'واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ' الطلاق / 4. وذات القرء إذا ارتفع حيضها لا تدري ما رفعه اعتدت بتسعة أشهر للحمل، وعدة الأيسة وكل من توفي عنها زوجها ولا حمل بها قبل الدخول أو بعده فعدتها بالشهور لقوله تعالي 'والذين يتوفون منك ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أشهر وعشرا' البقرة /234. استبراء الرحم تصور إنساني ليس المقصود من العدة استبراء الرحم فقط، لأنه لم يأت نص في القران بذلك، كما يري الدكتور مصطفي شفيق أستاذ النساء والتوليد بجامعة الزقازيق، وإنما مسألة استبراء الرحم ما هي إلا تصور إنساني فقط للقرآن الكريم، وفي بداية القرن العشرين ظهرت التحاليل الطبية والأشعة، التي يمكن من خلالها معرفه وجود حمل من عدمه خلال خمسة عشر يوما مثلا، كما أن هناك بعض السيدات لا يمكن حملها ومع ذلك تعتد. ويؤكد الدكتور مصطفي علي أن المرأة في حاجه إلي هذه الفترة فسيولوجيا، وذلك لأن قدرة المرأة علي التغيير غير الرجل، فالرجل يمكنه الزواج بأكثر من واحده في وقت واحد، وهذه قدرة وضعها الله سبحانه وتعالي في الرجل لأن التغييرات الفسيولوجية والسيكولوجية أسرع لأن ارتباطه بالواقع أكثر فمسألة المشاعر لا تسيطر عليه مثل المرأة، فالعدة للمرأة أسلم. أما مسألة النساء اللاتي يمارسن الدعارة أكثر إصابة بالسرطانات، لأنهن يقمن بعلاقات مع أكثر من شخص، بدون أن تأخذ هدنه بين كل رجل وأخر، فهذا ليس له علاقة بالعدة، كما يري الدكتور مصطفي شفيق، وإنما ذلك له علاقة بالفضيلة، لأن الأصل أن تمارس العلاقة الجنسية في إطار شرعي، فإذا لم يتم ذلك تعرضن للرذائل. المعتدة ينتظرها مستقبل غامض المرأة بعد وفاة زوجها أو طلاقه منه عرضه للاكتئاب، كما تري الدكتورة كريمة عبد المجيد، مدرس علم النفس بجامعة الأزهر الشريف، فالمرأة في فترة العدة تنظر إلي مستقبلها فتراه غامضا، وتنظر إلي أولادها من يعولهم، فبما إننا في مجتمع ذكوري فالأب له دور مهم في الأسرة حتي ولو كان صوريا. فالمراة لابد أن تتحلي بالإيمان حتي تستطيع أن تخرج من هذه الفترة بسلام، حتي لا ينتهي بها الأمر في إحدي المستشفيات النفسية. العدة مرحلة لتجاوز الصدمة فترة العدة مرحلة لتجاوز صدمة الطلاق أو الوفاة، كما يري الدكتور أسامة إسماعيل عبد الباري، مدرس علم الاجتماع بجامعة الزقازيق، فالمرأة في تفكيرها هي أسيرة لزوجها الماضي، فهي بحاجه إلي فترة لإعادة صياغة تفكيرها من جديد في ضوء المرحلة الجديدة، وترتيب أوضاعها وتبحث هل تستمر علي هذا الوضع أم تبدأ من جديد مع شخص آخر. ويري الدكتور أسامة، أن المرأة المطلقة في حاجه لهذه الفترة، لكي تبحث في حياتها عن أسباب انهدام العلاقة السابقة، وعليها أن تأخذ دروسا من هذه العلاقة حتي لا تتكرر الأخطاء. الحكمة في أن عدة المتوفي عنها زوجها أطول من المطلقة الشارع الحكيم عندما وضع أحكامه جعلها بشكل يحقق مصالح الناس بصورة عامة في كل العصور، فهي ملائمة لإنسان المدينة وإنسان الريف، وممكنة التطبيق في كل المستويات الحضارية ومع ما يجد من علوم ومعارف، وأن الأحكام القطعية التي لم يعللها الشرع بعلة محددة ليس لنا خيار فيما قضي الله ورسوله. وإن كان هناك بعض التصورات الإنسانية التي يمكن أن تكون سبب في طول عدة المتوفي عنها زوجها عن عدة المطلقة منها: 1 - المتوفي عنها زوجها تكون في حزن وأسي لفقد شريك حياتها ومعيلها ورب أسرتها، فناسب ذلك أن تكون عدتها أطول من عدة المطلقة التي قد تكون علي نزاع مع مطلقها. 2 - وحتي لا تجرح أهل الزوج في عواطفهم بخروجها وفي النهاية يجب الإشارة إلي أن الشارع في تشريعية يتحرك من خلال الصفة النوعية للأشياء فيلاحظ الأوضاع العامة، فيوجب الفعل أو يحرمه، وإن كانت بعض خصوصياتها لا تخضع للحكمة النوعية، وذلك كوسيلة احتياطية للحصول علي الغاية، ولإمكانية وجود حالات نادرة تحدث في بعض هذه الخصوصيات، كم يمكن للعاقر أن تحمل صدفة لأي ظرف طاريء، فأراد الشارع أن تسير الأمور منضبطة ولو علي حساب بعض الحالات الجزئية هذا مع ملاحظة الجانب المتمثل في إفساح المجال للرجوع بعد الطلاق. ولابد من الإشارة إلي أن العدة حاله طبيعية تدفع إليها رغبة المرأة في أن تثبت لنفسها ولغيرها أن إخفاقها في حياة زوجية لم يكن لعجز فيها أو نقص وأنها قادرة علي أن ترتبط مع رجل أخر، وأن تنشيء حياة جديدة، هذا الدافع لا يوجد بطبيعته في نفس الرجل لأنه هو الذي طلق، بينما يوجد في نفس المرأة لأنها هي التي وقع عليها الطلاق.