فيما أنا بين اليقظة والمنام، زارني طائرٌ ملائكيٌّ، تحفُّه هالاتٌ من النور، وله موكبٌ عجيبٌ، فأمامه حُجّابٌ عليهم نسائمُ البركات والرضوان، وبجواره تتأنق ناقة سيدنا صالح عليه السلام- المتسامحة، وهو يتحدث بعذوبةٍ إلي كبش سيدنا إبراهيم عليه السلام- السعيد، وبعد فترةٍ رأيته، وهو يشير من علي البعد إلي بقرة سيدنا موسي عليه السلام – التي لونها يسرُّ الناظرين! كانت سحائب الرحمات تقطر من جبهته، والسكينة تكسو عالمه السندسي بعلامات القَبول والتقوي! وكان الجميع يردد عبارات التكبير والتحميد والتسبيح! فَهَممْتُ أنْ أنضم إليهم، فاعترضني الطائر الملائكيُّ قائلاً: لن تكون ضيفي في الموكب الجليل، حتي تأتيَني موثقاً من الله، أنَّك لستَ من فلول الإخوان! فحلفتُ له بأغلظ الأيمان علي جميع الكُتُب والصُّحف المُقدَّسة: صُحُفِ إدريس، وصُحُف إبراهيم، والتوراة، والزبور، والإنجيل، والقرآن، أنني لست فَلَّاً من فلول الإخوان! فقال الطائر: هذا لا يكفي! ولمّا أطلعته علي مقالاتي ضد الإخوان، وعن تعرُّضي للإيذاء، والنقمة من زبانية الإخوان أثناء حكمهم الإرهابي الرهيب، ومحاولاتهم الحثيثة، لخروج كتابي الجديد عنهم.. حوقل، وحيَّهل، وكبَّر، وسبَّح، وصلَّي علي المختار.. وابتسم، حتي بدت نواجذه من شدة تبسمُّه، وانبساطه! فقال: الآن، أثلجتَ صدري، عطَّر الله قلبك بروائح الجِنان والحور العين. فقلتُ: اللهمَّ آمين. لكنْ، لو تأذنُ لي يا سيِّدي الجليل.. أنْ أسألكم سؤالاً يجول بخاطري منذ رأيتُ طلعتك البهية، في موكبك العجيب.. ويعجز لساني عن مجرد البوح به! فقال علي الفور: لا عليك.. سل ما تشاء! فقلتُ: فمَن أنتَ يا سيدي المُبارَك، فوجهك الباسم الجميل، لا يأتي إلاَّ بخير؟! فأجاب وابتسامته تملاً الأرجاء، والسكينة ترفرف فوق مَن حوله: أنا هدهد سيِّدنا سليمان عليه السلام! ثمَّ، قال: الآن، أنتَ ضيفي في موكبي الفريد! تعال لأحكيَ لك عمَّن أودي بالإخوان في الحافرة! وعمَّن قادوهم إلي الهلاك الكبير! وعن قصص أمرائهم، وقادتهم، وحلفائهم، التي تحكي عن صفحات من الاتِّجار بالدين، واللعب الرخيص بالسياسة! فقلتُ.. والعجبُ يتملَّكني، وحديثه العذبُ يُحَرِّك الصَّخر: أنا لك يا سيدي تابِعٌ أمين. شيخ التحرير الزائف فقال: نبدأ بحكاية الشيخ الذي هبط فجأةً علي ميدان التحرير في قلب القاهرة، في أول جمعةٍ بعد سقوط نظام مبارك! فأسرعتُ قائلاً: لعلَّك تقصد الشيخ/ يوسف القرضاوي! أجاب بابتسامته المعهودة: نعم، لقد خطَّط هو والإخوان من قبلُ ضمن فريقِ عملٍ، أعدَّ سيناريو من الإحكام الشديد، لملء الفراغ، بحشد الناس وراء شعبيته المزعومة، وزعامته الدينية المُدَّعاة، وجماهيريته المُصطنَعة! عن طريق إلقاء خُطبة الجمعة في الميدان، مع الشباب الثائرين! وتعيينه في هيئة كبار العلماء، وتخصيص خُطبةٍ له شهرية، يُلقيها فوق منبر الجامع الأزهر العريق! وطبع كُتُبه في إصدارات المجلس الأعلي للشئون الإسلامية. وقامت الماكينة الإخوانية الدعائية الجهنَّمية، بعمل كُتُب، ومُلصقات، ومقابلات عن جهاد الشيخ، ودوره الكبير في ثورة 25 يناير! وبالفعل، نجح المُخَطَّط الإخواني المرسوم بعنايةٍ تامةٍ، واحترافيةٍ عاليةٍ، في تقديم هذا الشيخ إلي الشعب المصري علي أنه شيخ الأزهر الشريف القادم! وتهيَّأت الإخوان لإزاحة شيخ الأزهر/ الولي الربّاني الحالي من علي كرسيِّه الشرعي! فقاطعته: لعلك يا سيدي الجليل.. تقصد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور/ أحمد الطيب! فأجاب: نعم.. فقد خطَّط الإخوان تخطيطاً لم تعهده البشرية.. لا من قبل، ولا من بعد، لإزاحته عن المشيخة بكل السُّبُل الممكنة وغير الممكنة! فمرَّةً تلو المرة عن طريق تدبير، وافتعال مشكلة تسمُّم الطلبة! ومرَّاتٍ عن طريق تجاهل الشيخ الرَّبّاني، والغض من مكانته، وتسليط غلمان الإخوان، وكبرائهم، للإساءة إلي مقامه الجليل! والشيخ الصوفي الولي.. يعتصم بحبل الله المتين، ويجأر إلي مولاه المُعِز المُذِّل، أنْ يحفظ الأزهر من سموم الإخوان، وأنْ يُنجيه من مؤامرات ليل الإخوان الأسود! المهم.. كان كلُّ ذلك بعلم، وتدبير قيادات الإخوان، والشيخ الذي هبط علي ميدان التحرير فجأةً! فقد أراد هذا الشيخ من كلِّ قلبه أنْ يكون شيخاً للمسلمين، بتعيينه شيخاً للأزهر، علي حساب شيخه الجليل! فسعي بكل قوته، وجاهه، وسطوته، وعلاقاته غير المشروعة، من أجل الجلوس فوق الكرسي! بل الأعجب، أنه قام ضمن مُخَطَّطه الموضوع، بتعيين كبار رجال الأزهر، والأوقاف، والإفتاء، وهم: صلاح سلطان للأوقاف، وعبد الرحمن البر للإفتاء، ومحمد البلتاجي رئساً لجامعة الأزهر، ومحمد عبد المقصود وكيلاً للأزهر، وصفوت حجازي أميناً عاماً لمجمع البحوث الإسلامية! وتعيين محمد حسان، وأبو إسحاق الحويني، وحسين يعقوب، ووجدي غنيم، وعلي السالوس، ويحيي إسماعيل، ويسري هاني، وجمعة أمين، ومحمد بديع، وزغلول النجار، وطارق البشري في هيئة كبار العلماء! وكان من المقرر، أنْ تتم هذه التعيينات بعد شهرٍ من خطبة الميدان! فهالني هولُ ما سمعتُ من مؤامرات الشيخ القرضاوي مع الإخوان، لعزل الشيخ/ أحمد الطيب، والإساءة إليه، وإظهاره للناس علي أنه من رجال العهد البائد! فلهذه الدرجة يحوك هذه الرجل الدسائس، لكي يظفر بكرسي المشيخة، ولو علي جُثَّة الحق، والأخلاق، والأعراف، والآداب الرفيعة! المهم، أنْ يختم حياته، وهو يحتل أعلي منصبٍ ديني في العالم الإسلامي! ساعتها، قلتُ بأعلي صوتي: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! لقد ماتت الأخلاق، وبادت المروءة، وأُزهِقَتْ روح الدين القويم علي عتبات الإخوان! ولاحت أمامي حلقات الهجوم الصارخ المتتابِع الإبليسي من المسلسل الإخواني المجرم، لإسقاط الأزهر، والتطاول الرخيص من القرضاوي علي شيخ الأزهر الشرعي حتي الآن، والتي لم تتوقف سخونته، وإساءاته الأخلاقية والدينية! وعلي الفور، تذكَّرتُ لماذا أسَّس القرضاوي حكاية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأيقنتُ أنه كان بإيعازٍ من مكتب الإرشاد، والتنظيم الدولي للإخوان، لسحب البِساط من تحت الأزهر! والدليل علي ذلك، أنَّ كلَّ المنضمين إليه كانوا من الإخوان! قصة النائب العميل ولمّا لاحظ الهدهد النبيل علامات الغضب تلوح علي جبهتي، وأمارات الثورة والحنق تشخص في حركاتي وفي حديثي، قاطعني بأدبٍ جم، وهو يقول: لا تثريبَ عليك! ولكنْ.. هل عرفتَ قصة نائب الرئيس؟! فتلعثمتُ، ولم أقدر علي الكلام! فقال الهدهد الحكيم: الرجل الذي تظاهر بمعارضة نظام مبارك، ثمَّ تظاهر بمعارضة نظام مرسي، حتي أصبح نائب رئيس ثورة 30 يونيو! فأجبتُ بصوتٍ عالٍ: لعلك تقصد المدعو/ محمد البرادعي! فقال: نعم! فقلتُ، وكلي شغفٌ لسماع قصته الحقيقية من سيِّدي الهدهد العجيب: وما هي حكاية هذا الرجل المُتَلَوِّن كالحرباء، والأرقط كالثعبان؟! فأجاب: عندما جاء هذا الرجل إلي مطار القاهرة قبل ثورة 25 يناير، كان تابعاً، ومُنفِّذاً، لخُطَّةٍ كبري، أُعِدَّتْ سلفاً في واشنطن، لكي يظهر بمظهر المعارِض الشرس لمبارك، وليكون قائد جبهة التغيير! وبالفعل، وقع الشعب في فخ المصيدة البرادعية الأمريكية، فحملوه فوق الأعناق بطلاً في المطار، وأصبح رمزاً للثورة والمعارضة! وبين عشيةٍ وضحاها، صار هذا الرجل أعلي الناس شعبيةً، وبات المُرَشَّح الأبرز لخلافة مبارك، والفائز المُتوقَّع بالانتخابات الرئاسية وقتها! لكنَّ الأمريكان- بعد دراسات ودراسات- أيقنوا أنه بلا أرضية، وليست له جماهيرية كما توهَّموا، وليس لديه حضورٌ، ولا كاريزما، فتركوه في الهواء الطلق، ومالوا إلي الإخوان، ومُرَشَّح الإخوان! عندئذٍ، أدرك هذا الرجل أنه ليس كارت واشنطن الرابح، فآثر الانسحاب علي خجلٍ، والحسرات تقتل قلبه! ثمَّ لمّا تجاهله الإخوان بعدما وصلوا إلي الحكم، وسلَّطوا عليه سفهاءهم في حملاتٍ مأجورة، لتشويه صورته وسمعته، ولإزاحته من المشهد، ليخلوَ لهم الجو.. أدرك هذا الرجل أنه أخطأ خطأ كبيراً، بتأييده للإخوان، وتقاعسه عن الترشح ضدهم! فقام بارتداء لباس التَّنكُّر من جديدٍ، فانضم لمعارضي الإخوان، فكان من قادة جبهة الإنقاذ، وبدأ يظهر بالصورة التي طالبته واشنطن بالظهور بها، لكي يخلف مرسي العياط في الثورة الجديدة! أي أنه كان تابعاً للسيد الأمريكي فيما يريده منه، وما يطلبه من هذا الرجل الأمريكي الصِّرف، الذي يُؤمَر فيُطيع! وزاد الهدهد العليم ببواطن الأمور، ودهاليزها، وما هو داخلها، وما هو وراءها، وما هو خلفها، وما هو به أعلم من أسرارها الرهيبة، قائلاً: يا بُنَيَّ.. لقد كان هذا الرجل رجل أمريكا، فلمّا وجد الشعبَ يلتفُّ حول قيادته الوطنية الجديدة في الاستفتاء الشعبي ضد الإخوان وإرهابهم بعد 30 يونيو.. زاد توتُّره، وزاد غضبه، وخاف ألاَّ يتحقق حلمه في رئاسة مصر، فقام بارتداء لباس التنكُّر والتخفِّي مرةً أخري! فمن ثَمَّ، هاجم ثورة يونيو، وقادتها، وانضم لمعسكر الإخوان، واستقال من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، لأنَّ الولاياتالمتحدة طلبت منه تغيير جلده، كعهده دائما في تغيير مواقفه، وآرائه، واهتزازه، وضبابية فكره، وانعدام بصره، وبصيرته.. فقام بالانضمام للإخوان الذين لفظوه من قبل، وركلوه، فاستجاب لهم هذا الرجل صاحب الأدوار المتناقضة، فبات بوقاً إخوانياً أمريكياً، جاهزاً لتنفيذ ما يُطلَب منه، فكان في هذا هلاكه، وتآمره الواضح كل الوضوح أمام الشعب المصري! وهكذا، تخلَّصت مصر من آخر الجراثيم التي تعوق انطلاقتها! أجل، تخلَّصت مصر من آخر الخناجر التي كانت تحاول اغتيالها في وضح النهار، من غير أن يراهم أحد! يا بنيَّ: إنَّ الحسنة الكبيرة، من جملة حسنات ثورة 30 يونيو الكثيرة، أنها كشفت هؤلاء الرويبضة، والفلول، والإمّعات، والمرجفين في مصر، وأذناب الإخوان، وذيولهم! يا بنيَّ: أعرفتَ أخيراً.. كيف تغلغل الإخوان مع أعداء مصر داخل صفوف المعارضة، بل حتي داخل مؤسسات الدولة؟! يا بنيَّ: لعلك عرفت الآن، أنَّ سقوط الإخوان كان عقاباً إلهياً، لجرائمهم بحق الإسلام، وتشويههم لصورته النقية، وتحالفهم مع الخونة والعملاء ضد مصر وشعبها الطاهر، وجيشها العظيم! يا بنيَّ: لعلك الآن.. عرفتَ لماذا سقط شيخ التحرير الزائف، فاستحق الطرد، والفصل، والخزي في الدنيا، فلم تنفعه مؤلفاته، ولا هرمه، ولا شهرته، ولا سطوته، ولا مؤامراته علي شيخ الأزهر الحالي.. أمام عقاب السماء القاسي بحقه، وحق جماعته الإرهابية! يا بنيَّ: أعرفتَ الآن.. لماذا تذبذبتْ مواقف نائب الرئيس العميل، فكان يُكَذِّب بمواقفه الانتهازية.. ما يقوله بالنهار بلسانه المعسول، ولا يُصَدِّق أحدٌ شيئاً من تصريحاته المكرورة حول الديمقراطية والحرية.. فما يحيكه بالليل من المؤامرات والحكايات المهولة.. ممّا يشيب لها الولدان، والأجنَّة في بطون الأمهات! فقد كان- وما زال- كالأفعي التي تفتك، وتقتل في الخفاء! كان كجُحر الضَّب، ما إنْ تراه حتي تحتقره، وما إنْ تسمع به حتي تلعنه! كان كأنثي العنكبوت، تلك التي تخدع الذكر، حتي يأتيها، لكي يتزوج بها، فتكون في هذه الزيجة نهايته، فتأكله عروس العنكبوت.. ليلة الدخلة المشئومة! أما موقف شيخ التحرير الزائف، فكان كمن أعدَّ رسالةً للدكتوراه، فعزم الأهلَ والأصحابَ، وقام بشراء ما لذَّ وطاب، واستأجر الكاميرات، لتصويره والاحتفال به، وعشَّم نفسه بالدرجة الجديدة، وبالمنصب الجديد في الجامعة، وبالمكانة الاجتماعية الجديدة، وبالأحلام الوردية! لكنْ كانت نهايته يوم مناقشته، إذ عرفتْ اللجنة المناقشة، أنه سطا، وسرق رسالته من الآخرين، فقرَّرتْ بالإجماع رفض رسالته، وفصله من الكلية إلي الأبد! يا بنيَّ: لعلك عرفتَ الآن.. أنَّ مواجهة الحق لا تأتي إلاَّ بالهلاك، والخزي، والحسرة، والندامة علي أصحاب المكر السيئ، 'ولا يحيق المكرُ السيئ إلاَّ بأهله'! فهل اعتبرتَ من درس سقوط شيخ التحرير الخادع، ونائب الرئيس الجاهز لأداء أيِّ دورٍ، ولو علي حساب الوطن، والدين! فلم أصحُ من نومي إلاَّ علي صوت المذياع، وهو يُعلن: الحكومة تُسقط الجنسية المصرية عن شيخ التحرير الزائف، ونائب الرئيس العميل! فقمتُ من نومي، والفرح يملأ نفسي، والبشاشة تزهو علي جبهتي، والانتصار تلوح أساريره السعيدة في كل الأكوان، والناس ضاحكة، مستبشرة، والفرحة تعم الجميع!