عندما وصف بيان وزارة الداخلية المعتصمين في 'رابعة العدوية' و'النهضة' بأنهم تعرضوا لحالة 'خطف ذهني'، كان التوصيف غريبًا وربما صادمًا، وتساءل البعض ساخرًا: هل حقًا تعرض المنتمون للإخوان ل'الخطف الذهني'.. علي طريقة 'ماجدة' في فيلم 'النداهة'؟!.. وهل يمكن أن يحدث ذلك في الواقع؟!.. لكن يومًا بعد الآخر اكتشفنا أن تعبير 'المخطوفون ذهنيًا' يظل هو الأصدق، والمعبر بحق عن حالة الكثيرين ممن ينتمون للجماعة. فرغم أن حقيقة هذه الجماعة 'الإرهابية غير الوطنية' باتت واضحة لكل ذي عينين، مازال هناك من يخرجون إلي الشوارع ويعرضون أنفسهم للموت متصورين أنهم يدافعون عن الإسلام، وعن الشريعة وعن الرئيس المدني المنتخب، بينما هم يدافعون في حقيقة الأمر عن تنظيم 'دولي' ينفذ أجندة غربية. في البداية قالوا لهم: إن ملايين المصريين الذين خرجوا إلي الشوارع يوم 30 يونية يطالبون بإسقاط مرسي وحكم المرشد، بضعة آلاف، بل ومرروا إلي عقولهم أن المسيحيين والعلمانيين وفلول الحزب الوطني دبروا ما جري، وأن المسألة مجرد 'ثورة فوتوشوب' صنعها المخرج السينمائي خالد يوسف للانقلاب علي الشرعية!!. أقنعوهم أن أمريكا هي من دعمت 'الانقلاب!!' علي مرسي خوفًا من وجود نظام حكم إسلامي في مصر!!.. وأن الفريق أول عبد الفتاح السيسي أوفد البرادعي إلي إسرائيل للترتيب للإطاحة بنظام حكم الإخوان!!. الأسبوع الماضي أعلن ميخائيل مارغيلوف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلي إفريقيا، ورئيس لجنة الشئون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي أن موسكو ستقدم إلي مصر معدات عسكرية بقيمة ملياري دولار بعد رفض الولاياتالمتحدة تقديم المساعدات العسكرية للقاهرة. وقال: 'إن روسيا تعود اليوم إلي عدد من المناطق التي فقدتها في التسعينيات، وخاصة إلي القارة الإفريقية والشرق الأوسط، وإن بلاده ومصر تشرعان في إعداد القاعدة القانونية للتعاون العسكري التقني'. التقارب المصري الروسي علي أرضية ثورة 30 يونية ليس خافيًا علي أحد، ويبدو واضحًا منذ اللحظة الأولي، بداية من تصريحات بوتين يوم 3 يوليو عندما حذر القوي الغربية من التدخل في الشأن الداخلي المصري لدعم الإخوان، مرورًا بإعلان روسيا وضع قدرات جيشها تحت تصرف القيادة العسكرية المصرية ردًا علي وقف أمريكا للمساعدات، وحتي اللقاء الذي دار بين وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو والفريق أول عبد الفتاح السيسي، والمحادثات حول توقيع اتفاقية تعاون مشترك بين القوات المسلحة الروسية والمصرية، وإجراء مناورات عسكرية بين البلدين.. نهاية بالصفقة الأخيرة التي تم الإعلان عنها الثلاثاء الماضي. ورغم ذلك، مازال 'المخطوفون ذهنيًا' مقتنعين أن ما جري في 30 يونية مؤامرة أمريكية علي الإخوان وعلي الرئيس الإسلامي 'بتاع ربنا' محمد مرسي!!!. دستور الكفر!! كانت مناقشات 'لجنة المائة' أو اللجنة التأسيسية لدستور 2012 مذاعة علي التليفزيون المصري، وكان المشاركون من جماعة الإخوان رافضين للمادة '219' التي تفسر مبادئ الشريعة الإسلامية، وكانوا يبررون ذلك لممثلي حزب النور قائلين 'يكفينا كلمة مبادئ'. ولم يكن للإخوان وقتها أي ملاحظات علي المواد المتعلقة بالقوات المسلحة، ولم يسعوا ولو من باب ذر الرماد في العيون إلي تقييد المادة المتعلقة بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري مثلا، بل صاغوا في هذا الشأن مادة فضفاضة هي المادة '198' التي تقول: 'لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في الجرائم التي تضر بالقوات المسلحة'. الأسبوع الماضي صعَّد ما يسمي ب'تحالف دعم الشرعية' من وتيرة الصراع مع حزب النور وبعد أن كان العداء لفظيًا أو من خلال التصريحات، وصل الأمر لاستهداف المنازل والندوات واللقاءات التي يشارك فيها مشايخ وقيادات حزب النور. وكانت البداية عندما حاصر شباب الإخوان منزل نادر بكار المتحدث الإعلامي لحزب النور.. ثم اقتحم عدد من طلاب الإخوان بجامعة المنيا الندوة التي أقامتها أسرة 'نبض الحياة' التابعة للدعوة السلفية بكلية دار العلوم والتي كان يحاضر فيها سيد العفاني عضو مجلس شوري الدعوة.. بل وصل الأمر إلي قيام الإخوان بمحاصرة مسجد 'الدعوة' بقرية مزغونة بمحافظة الجيزة ومنع الدكتور محمد إبراهيم منصور عضو الهيئة العليا لحزب النور وممثل الحزب بلجنة الخمسين من أداء صلاة العشاء خلال لقائه كوادر حزب النور بالقرية. والسبب في التصعيد، كما يزعم الإخوان وصبيانهم في تصريحاتهم ودعواتهم علي مواقع التواصل الاجتماعي، هو إعلان حزب النور التصويت ب'نعم' علي التعديلات الدستورية التي قالوا إنها تخالف الشريعة الإسلامية!!!، وراحوا يدللون علي ذلك بحذف المادة '219'، وراحوا يتندرون: 'أين وعود وتعهدات النظام لحزب النور بعدم المساس بالمادة المفسرة لمبادئ الشريعة الإسلامية؟'. تخيلوا.. الإخوان الذين حاولوا مرارًا وتكرارًا إقناع حزب النور بعدم التمسك بالمادة '219' لإرضاء القوي المدنية في لجنة المائة للمساومة علي مواد أخري، يبكون اليوم علي حذفها، بل يتهمون الدعوة السلفية بخيانة التيار الإسلامي والترويج لدستور لا يحافظ علي الهوية الإسلامية للبلاد!!.. ويتهمون حزب النور أيضًا بالتواطؤ مع الجيش وتمرير مادة تسمح بمحاكمة المدنيين عسكريًا!!. المشكلة ليست في العداء الإخواني لحزب النور، أو في الكذب والتضليل الذي يمارسه أعضاء الجماعة لتشويه الدستور الجديد أو مخططاتهم لعرقلة خارطة الطريق، ولكن في هؤلاء 'المخطوفين ذهنيًا' الذين يصدقون أن الدستور يخالف الشريعة الإسلامية.. وأنه يسمح بسب الصحابة والأنبياء ويبيح الكفر!!!. عاصم عبد الماجد كان يقف علي المنصات ويظهر في الفضائيات، يحرض الشباب المتحمس، والبسطاء ممن تخدعهم كلمات الدفاع عن الدين والإسلام والشريعة، ويدفعهم للوقوف في وجه أبناء وطنهم، بل يسوقهم إلي قتال أهلهم من المصريين. طالما ردد: 'قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار'.. 'إني أري رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها'.. 'الصعيد قادم، سنأتيكم بمائة ألف رجل، والرجل منهم بمائة ألف رجل'. وفجأة.. عاصم عبد الماجد في قطر!!. فر هاربًا وترك أنصاره أو من خدعتهم كلماته الحماسية عن الدين الإسلامي.. تركهم يلقون مصيرهم، بينما يعيش هو في أحد الفنادق الفخمة، يناضل من هناك. وبعد أن افتضح أمره وعرف الناس بهروبه إذا به يقول علي شاشة 'الجزيرة مباشر مصر' مبررًا ذلك: 'أنا دوري إعلامي، أستطيع الآن أن أقدم خدمة لديني ولوطني وللمصريين الذين يتعرضون للاضطهاد والتغييب'!!.. وراح يكذب: 'كنت أستطيع أن أختبئ خارج مصر ولا يعرف بي أحد ولا يراني أحد ولا يتتبعني أحد، ولكني لم أفعل ذلك، وعندما أتيحت لي الفرصة للظهور الإعلامي فعلت وسأظل أفعل'!!. لاحظ أن عبد الماجد كان مختبئا بالفعل، ولولا تمكن الزميل الصحفي محمد البدوي من التقاط صورة له أثناء وجوده في قطر، ولولا اتصال الإعلامي خيري رمضان بالفندق الذي يقيم فيه عاصم عبد الماجد لظل مختبئا. وراح عبد الماجد يضلل جمهوره ويبرر سفره إلي قطر، مشبهًا هروبه وتخليه عمن غرر بهم، بهجرة سيدنا محمد صلي لله عليه وسلم من مكة إلي المدينةالمنورة، بل ردد ما قاله الرسول: 'لولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت'.. يا سلام علي الاقتداء بسيرة النبي، عبد الماجد يترك مجتمع الكفر والظلم والقهر والتعذيب، ويفر بدعوته إلي مجتمع الإيمان في قطر حيث الفنادق الفخمة والدولارات والقواعد الأمريكية!!. ليس هذا فقط بل دافع عبد الماجد الإرهابي بامتياز عن العمليات الإرهابية في سيناء، وقال إنها نوعان: الأول تقوم به القوات المسلحة ضد جنودها لخلق رأي عام ضد الإخوان!!، والثاني تقوم به الجماعات السلفية ضد الجيش المصري لأنه يعوقهم عن الجهاد ضد إسرائيل!!. نفس العبارات المضحكة التي يرددها المناضلون في سبيل ريالات قطر ودولارات الجماعة: الجيش يقتل رجال الجيش، والشرطة تقتل رجال الشرطة، والمسيحيون يحرقون الكنائس، والإخوان ملائكة رحمة، والإرهابيون يريدون محاربة 'صديق مرسي العزيز بيريز' والجيش المصري يمنعهم!!!. المفاجأة أن عاصم عبد الماجد سيقدم برنامجًا علي القناة الإخوانية الجديدة المزمع انطلاقها والتي ستحمل اسم 'رابعة' ليستمر في تحريض البسطاء، ودفعهم لقتال أبناء وطنهم والموت في سبيل مرسي.. فعلا ونعم النضال!. قبل عبد الماجد فعلها كثيرون حاولوا الهرب من مصر تاركين أنصارهم أو من غرروا بهم، ومن هؤلاء مثلا صفوت حجازي، الذي راح يحرض مريديه ويقول: 'الرئيس محمد مرسي خط أحمر واللي يرشه بالميه نرشه بالدم'!!.. حتي ألقي القبض عليه أثناء محاولة هروبه خارج مصر بينما كان أنصاره يتظاهرون في الشوارع، ولولا ضبطه لكان هو الآخر يناضل الآن من أحد الفنادق القطرية أو التركية ويقول إنه يقوم بدور إعلامي لخدمة الإسلام!!. المثير ليس في موقف هؤلاء المتاجرين بالدين وبأحلام وطموحات الشباب، فهم يدافعون عن مصالحهم.. ولكن في 'المخطوفين ذهنيًا'، أو من لا يزالون يقعون فريسة الكلمات الناعمة وتخدعهم الكلمات البراقة عن الشرعية، ومواجهة الانقلاب، وغيرها من الأكاذيب.