الأطفال هم زينة الحياة الدنيا، وتنبع سعادة الأطفال من تواجدهم مع الآخرين، معهم يضحكون ويلعبون، يتحدثون ويتواصلون، ومع المداعبة والألعاب المتنوعة يتفاعلون، ولكن من الأطفال من يتواجد في عالمه الخاص ويندر اهتمامه بالآخرين، ولديه مشاكل في التواصل اللفظي وغير اللفظي، وفي التفاعل الاجتماعي والمشاركة، وتميزه سلوكيات روتينية شاذة وغريبة تجعل حياته وأسرته أمراً صعباً، إنهم الأطفال الذاتويين. ولقد عاني الإنسان في تاريخه الطويل علي كوكب الأرض من العديد من مشكلات اضطراب الإعاقة، ومن بينها ما نطلق عليه اليوم إعاقة الذاتوية أو Autism، والتي كانت تعتبر قديماً من حالات الاضطراب العقلي أو الفصام الطفولي أو الصمم والبكم أو غيرها، حتي اكتشفها الطبيب النفسي الأمريكي كانر Kanner عام 1943 من بين مجموعة من الأطفال الذين يعانون من التخلف العقلي والذين يتعامل معهم، حيث لاحظ أن أحد عشر طفلاً منهم تختلف أعراضهم عن أعراض التخلف العقلي التي كان يتعامل معها آنذاك، وظل ينظر إليها علي أنها قريبة الشبه بحالة الفصام Schizophrenia، بالرغم من أنه لم يكن من بين أعراضها مظاهر الهلوسة أو التهيؤات التي تعتبر أحد الأعراض المميزة للفصام، ولذا اعتبرت بعد ذلك فئة إعاقة مختلفة عنه، وأطلق عليها مصطلح الذاتوية Autism. فقد شهدت العقود الثلاثة الماضية تطورًا سريعًا في شتي مجالات الحياة، حيث يشهد مجال الفئات الخاصة تقدمًا سريعًا متناميًا في المجالات المتعلقة برعايتهم، وتوفير الخدمات التربوية والاجتماعية والتأهيلية والصحية اللازمة لهم. ومن هذا المنطلق بدأ الاهتمام يتزايد في الآونة الأخيرة بنوعية أو بفئة من أهم الفئات الخاصة والتي تأتي في مقدمة تلك الفئات التي تحتاج إلي رعاية وتدريب ألا وهي فئة الأطفال الذاتويين، وهذه الفئة تحتاج إلي سرعة التدخل المبكر معهم ليس فقط باكتشافهم، ولكن بتقديم برامج تدخلية علاجية- تربوية تأهيلية لرفع وتحسين كفائتهم وهم في سن مبكرة ليستطيعوا مواجهة الحياة بصورة أسهل. فالذاتوية هي اضطراب عصبي بيولوجي Neurobiological معقد النمو، يدوم في كافة أنحاء حياة الشخص، وهي عجز نمائي يبدأ عادة قبل عمر الثالثة، ويسبب تأخراً، أو مشاكل في العديد من المهارات المختلفة، ويشمل العجز في جوانب رئيسة في اللغة، والسلوك الاجتماعي، والسلوك المتعلق بالاهتمام بالأشياء والسلوك الروتيني اليومي. وقد لخص ' كابوت واخرون Kabots et al ' '2003' تعريف الذاتوية من خلال ثلاث مستويات مختلفة ومعتمدة علي بعضها البعض في آن واحد وهي' أنه إضطراب عصبي يرتبط بنمو المخ، وباعتباره اضطراب نفسي يشمل النمو المعرفي والانفعالي والسلوكي، وباعتباره إضطراب في العلاقة يفصح عن فشل في التطبيع الإجتماعي الطبيعي'. وتشير'ماري جوموت واخرون Gomot Marie et al ' '2006' بأن الذاتوية 'اضطراب ناتج عن خلل في وظائف المخ يتضمن ضعف في التواصل الإجتماعي، بالإضافة إلي تكرار الحركات، ومقاومة التغيير'. وتعرفه الجمعية الأمريكية للذاتوية بأنه 'إعاقة في النمو تتصف بكونها مزمنة وشديدة تظهر في السنوات الثلاثة الأولي من العمر وهو محصلة لاضطراب عصبي يؤثر سلبيا علي وظائف الدماغ'. وحيث إن اضطراب الذاتوية Autism Disorder يصيب فئة من الأطفال في مرحلة من أهم مراحل النمو الإنساني، وهي مرحلة الطفولة المبكرة فكان ولابد من الاهتمام بالكشف المبكر عن هذا الاضطراب في مراحله الأولي، لأن ذلك يزيد من فرصة تحسين وعلاج الأطفال المصابين به في الوقت المناسب، لكي يستطيع مثل هؤلاء الأطفال التوافق مع أنفسهم، ومع الآخرين، ومع المجتمع، بينما التأخر في الاكتشاف والتشخيص والعلاج يجعل من الصعوبة تحسين وعلاج مثل هذه الحالات. كانت نسبة انتشار اضطراب الطيف الذاتوي في السبعينات، أقل من 3 لكل 10.000، بينما ارتفعت في التسعينات لتزيد عن 30 لكل 10.000، وأظهر مركز السيطرة ومنع المرض Center for Disease Control and Prevention 'CDC' عام 2006 أنه 1 في 166 طفل في الولاياتالمتحدة شخصوا باضطراب الذاتوية، في حين يظهر التقرير التالي لذات المركز في 2007 أن نسبة الانتشار 1 في 150 مستنداً علي الأطفال بعمر 8 سنوات في 2002، في حين أظهر هذا المركز أن نسبة انتشارها بلغت 1 لكل 110 طفل مستنداً علي الأطفال بعمر 8 سنوات في 2006. ووصلت نسبة انتشارها طبقاً لمركز السيطرة والمنع مستنداً علي الأطفال بعمر 8 سنوات في 2008 ولتقديرات الذاتوية والعجز النمائي الحالية إلي 1 في 88 طفل لديهم اضطراب ذاتوي، وعليه فقد تزايد تقدير انتشار اضطراب الطيف الذاتوي من عام 2006: 2008 حوالي 23%، في حين كان التزايد 78% من عام 2002: 2008. ويعد اضطراب الطيف الذاتوي أكثر شيوعاً في البنين عن البنات بنسبة 4: 1، وأصبحت تقريباً 5 مرات بين الذكور '1 في 54' عن البنات '1 في 252'. في حين أن نسبة الذكور للإناث في متلازمة اسبرجر 10 إلي 1 في السنوات القليلة الماضية. ويعتبر اضطراب الطيف الذاتوي موجود في كل الجماعات والطبقات الثقافية والاجتماعية، وقد يرجع تزايد انتشارها لما شهدته أدوات التقييم والتشخيص من تطور، بجانب وضوح المعايير التشخيصية للاضطرابات. أما فيما يتعلق بانتشار الذاتوية في الأسرة الواحدة، فتذكر 'هدي أمين '1999' أن حوالي من 2: 9% من أقارب الأطفال الذاتويين مصابين بالذاتوية، كما ترتفع نسبة ظهور الإضطرابات الاجتماعية والصعوبات المعرفية واللغة لديهم، وتكون نسبة انتشار الذاتوية بالنسبة للتوائم المتطابقة أعلي بمقارنة بالتوائم غير المتطابقة.