للذكري متي استرجعها الحنين، لتظهر راضية رغم الفاصل بين حدوث وقائعها من طول سنين، والغرض من انبعاثها حية في الخيال متحرك فيها 'فلانة وفلان'، خلاصة ألم عن فراق أعزة ملأوا دنيا مدينة القصر الكبير حينما كانت متماسكة البنيان، عظيمة في مواجهة الطغيان، واقفة صامدة كشجرة تورق المجد وتتفرع فيها بعزة النفس أفنان، مروية ظلت بدموع الفرح في مقل حسان، تحث الرجال علي تسلقها مهما في التضحية وعناء الوصول للقمة ارتفع الثمن، فبزغ جمال قصيد من إبداع شاعر وسلاسة تعبير في نثر كاتب وأرقي ما لحنه فنان، جمعتهم نفس المدينة من حي 'المرينة' إلي ساحة 'دار غيلان' وصولا لموقع 'دار الدخان'، وهيهات تغليف ذات الذكري بعجالة التخلص من ثقل وزنها المحبب حمله كمسؤولية اختلفت نصا وروحا عن المتداول في حزب معين ورث الاشتراكية الشعبية من رواد ما تكرروا ولن يتكرروا موقفا وبرنامجا سياسيا واندفاعا مشروعا ووطنية تخاطب من أجاد قيادته للشعب المغربي العظيم بأحسنت ومن انحرف بقيادة نفسه لنفسه وكفي يجد فيها ما يقض مضجعه لزمان. مدينة القصر الكبير وهذا واحد من أسباب جعلت النماء فيها معطل لحين، ما عاشته باسمها تلك الثلة المباركة المجتمعة خلف الزعيم الراحل المهدي بنبركة المنظمة في فرع القصر الكبير للإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والراحل عبد السلام عامر أحدنا إضافة إلي الأستاذ الوراغلي والأستاذ عبد السلام البوطي وآخرون من الرجال الشجعان، غبت لحظة لأطلع علي ما يدور خارج المقر الذي كان مواجها لنظارة الاحباس فتحول منذ اللحظة إلي مخفر للشرطة فكانت سابقة في التاريخ السياسي ليس بالنسبة لمدينة القصر الكبير وحسب وإنما علي الصعيد الوطني، مقر حزب يتحول لمقر تستغله الشرطة وتستمر فيه لسنين طويلة من عمر ذاك الزمن، غبت لحظة ولما عدت وجدت عبد السلام عامر في شرفة المبني قد احضر مكبرا للصوت لإسماع محمد عبد الوهاب وهو يشدو 'أخي جاوز الظالمون المدي' فقلت له، الشرطة قادمة وبإعداد لاقتحام المكتب، والله أعلم من سيخرج منا هذه المرة سالما، قد تكون أنت، فلن يتجرأوأ علي ضرب إنسان ضرير، فقهقه ضاحكا وقال لي 'أتخاف علي أخي مصطفي أم علي نفسك، فأجبته لو خفت لما حضرت للمقر وأنا اعلم ان الشرطة مهرولة نحوه والويل يتطاير من وجوه أفرادها، وما تركت لإنهاء الكلام بل تدورت ألما من فرط ما خلفته عصا هوت علي ظهري لتوقعني أرضا ومع ذلك بقيت مشغول البال وعبد السلام عامر ممسوك به من طرف ضابط يصيح في وجهه 'أكل هذا يخرج منك أيها الأعمي' المهم أكلنا ما فيه الكفاية وانتهينا إلي أرذل زنازين، وللتاريخ أسجل أن الأستاذ عبد السلام البوطي عذب عذابا ما كان ليتحمله بشرا وفاءا لمبادئ راسخة في وجدانه أن يتمتع القصر الكبير بما يتمتع به غيره من حقوق وأن تصل القصر الكبير الديمقراطية الحقة وليست المشوهة في الطريق، أطلق سراحنا انا ورفيقي عبد السلام عامل الصاعدة من صدره آهة الحسرة عما آلت إليه آلة القمع في هذه المدينة المجاهدة من تحقير للقصريين المناضلين الراغبين في محاربة الفساد وانجاح الاتحاديين في أول برلمان يعرفه المغرب بعد استقلاله.