تبدو ان الاحزاب الدينية ستقع في المحظور ويلفظها المجتمع المصري عن جهالة فقهية وفكرية منها، حين تخلط بين الدين 'الأصل الثابت' والسياسة 'فرع متغيرة' واجتهاداتها ومواقفها، فالحقيقة الفقهية في التاريخ الإسلامي توضح أن الأمة الإسلامية منذ مهدها، ارتضت الخلاف في الفروع، ولم تقبل الاختلاف في الأصول الثابتة، وأن التعددية السياسية تقع في نطاق ذلك النوع المقبول، باعتبار أن تلك التعددية هي نوعا من الاختلاف الفرعي الاجتهادي لا يؤثر في الأصول الثابتة. وربما هذا الخلط وشيطنه الآخر سياسيا ودينيا سيؤدي في نهاية مطافه الي عودة الشريحة المكونة لقمة هرم هذه الأحزاب الي سياسة السرية كما كانت قديما، وربما تتحول للعنف المنبوذ اجتماعيا مستقبلا!. وازعم انه لا بأس أن يتبني أي تيار - اسلامي أو غير ذلك - ما يراه مناسبا من مواقف واجتهادات في مجال العمل السياسي تخدم وتصب في صالح الوطن وتخدم كافه شرائح المجتمع المصري دون تمييز، ولكن أخطر ما في الواقع السياسي للتيار الاسلامي 'ذات المرجعية الإسلامية' الحالي، أنه يعرض بحسبانه وظنه انه يعرض رأي الإسلام وحكمه. واري انه بذلك النهج يقع في منكر الخلط بين الدين كأصل والسياسة كفرع، فالدين ثابت، والسياسة متغيرة. فالدين - شريعة الله - هو نص الكتاب الكريم وسنه نبيه 'ص'، والسياسة متغيرة، وبما إنها متغيرة فأصل وجودها وقوامها هو الاجتهاد البشري، والاجتهاد البشري إذا باشره ومارسه أهله فهو ضرب من ضروب الاجتهاد الفقهي، يحترم ولا يلزم، فالدين ثابت والاجتهادت و المواقف متغيرة. والوقوع في شرك الخلط بين ما هو ثابت وما هو متغير ان كان عن جهل ويجب مقاومته بالحجة والبرهان، حتي يتم توقيف ورفض هذا المنطق المعوج شرعا، وأما ان كان عن قصد، فأري انه تدليس في عالم الفقه والفكر ان نخلط بين الاجتهاد البشري ونصبغه بلباس الشريعة السماوية، ونقول للناس أن الشريعة تقول كذا إفكا، وجهلا، و عدونا علي الدين ذاته، أفيقوا يرحمكم الله فالاجتهاد وكذا المواقف السياسية فرع لا اصل. وبشكل أدق أزعم يقينا أن الإسلام يرفض شرعنة المواقف والاجتهادات بإلباسها لباس الدين الثابت، فالإسلام يرفض أن يتبني طرف رأيا يستنبطه من واقع اجتهاده وتقديره الخاص مهما كانت قامته السياسية، أو الاصوليه الفقهية، ثم يعرض علي المجتمع رأيه الاجتهادي بحسبانه أنه رأي الإسلام الأوحد، زعما منه بأن الإسلام يقبل كذا أو يرفض كذا، واجد أن هذا الخلط المقصود هو تدليس لا يقره الشرع الحنيف نقلا أو عقلا، بل ازعم انه تدليس فكري منكور، ويعتبر إن كان عن قصد وتعمد هو إرهاب فكري يجب علي المجتمع بكافة أيدلوجيته الفكرية مقاومته ورفضه. فعلي كل من صبغ نفسه بلباس الدين أن يعلم أن التعددية تمثل أسلوبا في إدارة الخلاف الايجابي لكافة الآراء الإصلاحية بالمجتمع، وقوامها هو الاعتراف المتبادل بين الأحزاب المختلفة، وليس علي الإنكار أو تشويه الآخر، ولتعلموا أن إدراك ذلك هو اصل من أصول فقه الواقع المرتبط كشرط أساسي للنضج السياسي والقيم السياسية لأي كيان حزبي حتي و إن كانت مرجعيته دينية أو دنيوية! النهاية ------- علي الأحزاب ذات المرجعية الدينية أن تعلم أن السنة النبوية هي منهجا وليست تقليدا، وإذا ما تم تفهمكم واستيعابكم لهذا المنطق علي هذا النحو، فستفح لكم أبواب جديدة للاستنباط، و التجديد والاقتباس، والتكيف والتوائم مع العالم الذي سينصاع لهذا المنهج ان يتسيده طوعا، فانتهوا خيرا لكم بإلزام أنفسكم بفهم فكر المنهج لا التقليد المتزمت الجامد الذي مآله دوائر مغلقة داخل مجتمعكم حتما.