يا من تهتفون 'يسقط حكم العسكر'، إذا كنتم تقصدون بحكم العسكر، مصر في المرحلة الناصرية، مصر الاستقلال الوطني والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ومجانية التعليم والإصلاح الزراعي والبناء والتنمية والنهضة الاقتصادية والصناعية.. فاعلموا أن مصر كلها تهتف 'يحيا.. يحيا.. حكم العسكر'.. وإذا كنتم تقصدون بحكم العسكر انحياز الجيش المصري للشعب في ثورته ضد الإخوان، ووقوف القوات المسلحة أمام المخططات الأمريكية والصهيونية الرامية لتقسيم الوطن العربي، ودورها في حماية مصر وشعبها وحدودها ومقدراتها، وتحرير إرادتها من التبعية الأمريكية.. فاعلموا أن مصر كلها تهتف 'يحيا.. حكم العسكر'. 'يسقط.. حكم العسكر'.. هتاف سمعناه أثناء تولي المجلس العسكري مقاليد الحكم في الفترة الانتقالية التي أعقبت تنحي مبارك.. مرَّره الإخوان إلي الشباب الغاضب، للضغط علي المشير طنطاوي في المفاوضات التي دارت بين الطرفين بعد 11 فبراير. كان الإخوان يشيدون بدور الجيش في لقاءاتهم مع قادة المجلس العسكري بالقاعات المغلقة في المساء، ويحرِّضون عليهم في الميادين في الصباح.. ورغم الدور الذي لعبته القوات المسلحة في مساندة ثورة 25 يناير، تصاعدت حملات الهجوم المنظم علي الجيش، وحقق الإخوان ما أرادوه.. ونجحوا في حشد العديد من القوي السياسية في جانب، والمجلس العسكري في الجانب الآخر. ومسألة 'يسقط حكم العسكر' لها تاريخ طويل، فقد صاغتها أجهزة مخابرات الكيان الصهيوني والولاياتالمتحدةالأمريكية عندما استحضرت نماذج الجنود المرتزقة والمأجورين وأدوارهم المشبوهة في أمريكا الجنوبية وقيامهم بعمليات الاغتيال والانقلابات العسكرية ضد الأنظمة الوطنية هناك، لتشويه ثورة يوليو في إطار محاولات الهجوم علي المرحلة الناصرية، وما حملته من ثورات للتحرر الوطني في مصر ودول العالم الثالث. ورغم أن مصر في المرحلة الناصرية كانت أبعد ما يكون عما يروجون له باسم 'حكم العسكر علي طريقة أمريكا الجنوبية'، تلقفت جماعة الإخوان الشعار لتصفية حساباتها مع حكم عبد الناصر في الخمسينيات والستينيات.. خصوصًا وأنهم كانوا رأس الحربة في الحرب غير الشريفة في مواجهة الناصريين في السبعينيات. ظلت الرأسمالية المتوحشة وأذنابها، تخشي من بقاء عبد الناصر في قلوب وعقول المصريين، وصوره المرفوعة دومًا في المناسبات الوطنية المختلفة كانت تؤرقهم، وتزعجهم، وتشعرهم برغبة المصريين في التحرر الوطني. فالرأسمالية المتوحشة كانت ومازالت تريد أن تري مصر مجرد سمسار أو وكيل لها في الشرق الأوسط، ويزعجها وجود القيم التي أرستها ثورة 23 يوليو، أو بقاء عبد الناصر رمزًا للعزة والكرامة والاستقلال والتحرر الوطني، والتنمية، والنهضة. في المقابل كان المصريون بعد رحيل الزعيم يسمعون علي مدي 40 عاما الهجوم علي عبد الناصر، ويرون في نفس الوقت الحكومات المتلاحقة تبيع ما بناه من مصانع لتمول العجز الدائم في الموازنة.. كان المصريون يتابعون الهجوم الممنهج علي المرحلة الناصرية في الوقت الذي يعيشون فيه علي رصيدها وما حققته.. لذلك ظل عبد الناصر حاضرًا في العقول والقلوب وظلت صوره مرفوعة في المظاهرات والمليونيات قبل وبعد 25 يناير. ومع ثورة 30 يونية التي خرج فيها الملايين ضد نظام الإخوان، ووقوف الولاياتالمتحدة موقف المدافع عن مرسي، بوصفه ممثل المصالح والمخططات الأمريكية، برز نجم الفريق أول عبد الفتاح السيسي، واتخذت الثورة إضافة للمطالب الاجتماعية ومحاربة الفساد، منحي التحرر الوطني والاستقلال والخروج من براثن التبعية للولايات المتحدةالأمريكية. تحولت الثورة ضد الإخوان إلي ثورة ضد التبعية.. عرف المصريون أن معركتهم الحقيقية ليست مع نظام حكم فاشل فقط، وأنهم يخوضون معركة حقيقية للتخلص من التبعية والدوران في الفلك الأمريكي. ومع تنامي هذا الشعور الوطني بدأنا نسمع من جديد 'يسقط حكم العسكر' نكاية في المرحلة الناصرية التي تمثل بالنسبة للمصريين النموذج الواضح للتخلص من التبعية، ونكاية في الفريق أول عبد الفتاح السيسي الذي راح الناس يربطون بينه وبين عبد الناصر ويرفعون صوره إلي جوار صور الزعيم الخالد. لكن ما لا يعرفه الأمريكان وأذيالهم من الإخوان أو يغيب عن أعداء مصر وخصوم المشروع الناصري أن الشعب العربي ما زال وسيظل يتوق إلي عصر عبد الناصر، ويستمد منه العون والرؤية الصائبة كلما داهمه خطر أو واجهته عثرة.. ومن هنا يستمد الفريق أول السيسي وجوده كرمز من رموز التحرر والاستقلال الوطني. يا سادة.. حربكم علي مصر عبد الناصر.. مصر الثورة ضد الظلم.. مصر استقلال الإرادة والتحرر الوطني.. مصر صاحبة الدور الرائد في الوطن العربي والعالم الثالث.. حربكم علي مصر وجيشها العظيم محكوم عليها بالفشل.. فما زال هنا عبد الناصر. ومن لا يصدق فليستعد مشاهد 30 يونية و3 و26 يوليو.. عندما خرج الملايين من شعب مصر العظيم يواجهون المشروع الأمريكي الصهيوني وهم يرفعون صور عبد الناصر.. خرج الملايين ثائرين ضد التبعية الأمريكية ليحرروا إرادة الوطن من أيدي العملاء والخونة وهم يرددون كلمات وعبارات الزعيم الخالد.. لأنهم يشتاقون إلي مصر عبد الناصر. لقد كتبت، قبل ست سنوات تقريبًا، مقالا تحت عنوان 'لو كان هنا عبد الناصر'.. رويت فيه تجربة خاصة دفعتني لأن أسأل: ماذا لو كان هنا عبد الناصر؟!!.. وأؤكد أن تعافي مصر وخروجها من النفق المظلم لن يكون إلا بتلمس طريق الزعيم الخالد، متمنيًا أن يمن لله علي وطننا بناصر جديد، بل وأتشوق شأن الكثيرين أن تستعيد مصر المرحلة الناصرية. فقد كتبت في 19 يناير 2008 أقول: ''ساقتني الأقدار إلي منطقة 'الرويعي' المشهورة بتجارة الأخشاب ومستلزماتها باحثًا عن ألواح الخشب 'الكونتر'. وحتي لا يتصور التجار أنني 'زبون' يسهل الضحك عليه!! حاولت في البداية أن أظهر نفسي وكأنني عالم ببواطن الأمور، أنواع الخشب وأسعاره معتمدًا علي خبرتي السابقة عندما اشتريت لوح 'كونتر إندونيسي' منذ 10 سنوات تقريبًا، ومستخدمًا بعض العبارات الشعبية وأنا أخاطب البائع.. من عينة 'والنبي يا بركة' و'عايز حاجة علي مزاجك' إلي آخر هذه العبارات. توجهت لأحد التجار كبار السن وسألته بثقة شديدة: 'والنبي يا بركة.. لوح الكونتر الإندونيسي 18 مللي بكام؟'. فنظر إلي ضاحكا: 'حضرتك عايزه ليه؟!'. أجبته: 'للمكتبة'. سألني: 'كتب واللا تليفزيون؟!'. قلت: 'للكتب.. أنا عايز لوح إندونيسي وقطعه أرفف.. كل رف 30 سم، ولو توصف لي حد أجيب من عنده الحوامل الحديد يبقي كتر خيرك'. فبادرني: 'كل سنة وانت طيب!!'. ولأنه لا عيد مسلمين ولا مسيحيين.. قلت له: 'وانت بالصحة والسلامة.. هو خلص؟!'. أجابني: 'من زمان.. من سنين!! دلوقتي لوح الكونتر الصيني هو اللي موجود'. لم يعطني فرصة للتعقيب وقال: 'شكلك عايز حاجة مهاودة يقصد رخيصة الثمن عليك وعلي المناصرة هات من هناك حاجة صيني جاهزة.. ولا تتعب نفسك ولا تدوَّر علي حوامل ولا نجارين'!!. شعرت أنه يتكلم بصدق، فتركته متوجهًا إلي 'المناصرة' في 'باب الخلق' أشهر المناطق المصرية لبيع الأثاث. وفي طريقي من 'الرويعي' إلي 'المناصرة' عبر ميدان 'العتبة' وشارع محمد علي 'تعمدت أن أدقق في كل ما يقابلني من سلع سواء في المحلات والأكشاك أو علي الأرصفة.. فوجدتها في معظمها صينية الصنع، بداية من ماكينات الحلاقة والأمشاط وكريم الشعر مرورًا بالأدوات المنزلية والأدوات المدرسية الأقلام الجاف والرصاص والأوراق وحتي لعب الأطفال واللبان والبسكويت والأدوات الكهربائية، نهاية بالموبايلات وإكسسواراتها. أي عقلية تلك التي تدير الاقتصاد الصيني؟!.. وكيف حوّلت هذا العالم إلي سوق كبير لترويج المنتجات الصينية، خاصة الوطن العربي، وتحديدًا مصر؟!.. لقد فاقت المنتجات الصينية في مصر كل الحدود والتصورات، ولم يعد الأمر كما كان من قبل مقصورًا علي 'فوانيس رمضان' و'السبح' و'الولاعات' و'التحف أو القطع الأثرية المصرية المقلدة'.. لقد تخطي الأمر كل ذلك وأصبحت السلع الصينية تهدد الصناعات المصرية العريقة التي تميزت بها مصر عبر تاريخها، الموبيليا والمنسوجات علي سبيل المثال. أي عقلية تلك التي تدير الاقتصاد المصري فحوَّلت المصريين إلي باعة سريحة للمنتجات الصينية أو في أفضل الأحوال مندوبي مبيعات صيني؟.. ثم أين هي الصناعة الوطنية؟!. وجدتني أسأل نفسي دون أن أدري، خاصة ونحن في ذكراه التسعين: ماذا لو كان هنا عبد الناصر؟!''. اليوم وبعد أن انتفضت الجماهير ضد مبارك ثم الإخوان، أو بالأحري ثارت علي التبعية التي عبَّر عنها النظامان السابق والأسبق، وبدأت مصر تتلمس طريق الاستقلال الوطني وتسترد دورها وتستعيد روح الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، نجد من يحرِّض من جديد علي الجيش، ويحاول تشويه فترة من أزهي فترات الاستقلال الوطني، مستخدمًا نفس العبارات التي يروِّج لها الأمريكان وأذيالهم، للانقلاب علي المرحلة الناصرية منذ السبعينيات. هؤلاء لا يخجلون ويضللون الناس بوضع الحقبة الناصرية إلي جوار حقبتي حكم السادات ومبارك ويطلقون عليها '60سنة من حكم العسكر'، بل يرددون 'يسقط.. يسقط حكم العسكر' نكاية في ثورة يوليو، وروحها التي بدأت تدب في أوصال المصريين. لكن رغم الحملة الشرسة التي يقودها هؤلاء بالوكالة عن الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد مصر وجيشها، في الحرب التي يمكن أن يلخصها الهتاف البذيء 'يسقط حكم العسكر'، يلمع يومًا بعد الآخر نجم الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بل إن الشعب المصري الذي ارتبط فكريًا ووجدانيًا بعبد الناصر، وجدد الارتباط مع السيسي، هو من يتصدي من تلقاء نفسه لفلول الإخوان والموتورين والمتأمركين.. ويلتف أكثر وأكثر حول جيشه العظيم.. بل كان الهتاف الخائن 'يسقط حكم العسكر' بعد 30 يونية أكثر ما يصطدم بالحس الوطني وإيمان المصريين بمصر وجيشها، ويفجِّر غضب الجماهير ويدفعها لمواجهة مظاهرات الإخوان. يا من تهتفون 'يسقط حكم العسكر'.. إذا كنتم تسعون لتشويه سمعة الجيش لمواجهة صعود نجم الفريق أول عبد الفتاح السيسي وما يمثله من مشروع للاستقلال الوطني، فاعلموا أنه رئيس مصر القادم وباكتساح لو قرر الاستجابة لرغبة الجماهير المتنامية وخاض الانتخابات الرئاسية.