بذل جهدا لاستحضار أصول القصيدة ومصادرها، لاثبات أن لها ماضيا، وتاريخا، وشجرة عائلة، وحديقة، ومقبرة! قال: إنها تشبه جدودها وأباها وأخواتها.. تشبه الحكاية والسيرة والتاريخ.. تشبه الملامح والصوت والكلام.. قال: ان الحافر بالحافر! قلت: ربما لكن الحصانين مختلفان.. الأحصنة جميعا مختلفة وتتسع الساحات لها.. هذا درس الابداع، كتابة علي كتابة واستئناف مشروط بالفرادة والخصوصية.. يهدم دلالات العمل الاصلي، يهدم دلالات قديمة ليقدم رؤيته وإبداعه الخاص.. كأن يصبح ابن نوح العاصي الهارب من سفينة أبيه في الموروث الديني.. يصبح ثائرا متمردا، يأبي ان يفارق الوطن في قصيدة »مقابلة خاصة مع ابن نوح« لأمل دنقل. كتب شكسبير مسرحية »هاملت« 2061 تحت عنوان »كتاب ثأر أمير الدنمارك« مستندا إلي حكاية وردت في الجزء الخامس من كتاب »أقاصيص فاجعة مقتبسة من آثار الايطالي بانديللو« لفرانسوا بليفور 6551... هناك أيضا مسرحية توماس كيد بعنوان »انت هاملت« كتبها قبل اثنتي عشرة سنة من هاملت شكسبير. وكتب الشاعر السوري ممدوح عدوان »هاملت يستيقظ متأخرا« وكتب المخرج العراقي جواد الأسدي »شباك اوفيليا«.. وأخيرا المسرحي الكويتي سليمان البسام كتب »قمة هاملت«.. وفي مركز الابداع بالقاهرة تقدم حاليا الكويتية سعادة الدعاس »هاملتهن«. عشرات ومئات من هاملت واوفيليا ولا أحد يشبه أحدا، جميعهم ينطوي علي خصوصية ابداعية بقدر اختلاف الرؤي، واختلاف البناء والتركيب. وحكاية »النائم واليقظان« الحكاية الثالثة والخمسون بعد المائة في ألف ليلة وليلة، أعاد كتابتها الكثير من الكتّاب والمبدعين استند إليها مارون النقاش في مسرحية »ابوالحسن المغفل« 9481.. واستند إليها سعد الله ونوس في مسرحية »الملك هو الملك«.. بعض النقاد توقف ايضا امام التشابه »الحافر بالحافر« بين مسرحية ونوس ومسرحية بريخت »الرجل هو الرجل«.. نفس الحكاية ونفس الشخصيات، نفس المدينة والبيئة والعصر.. نفس الاسماء والملامح لكن كل عمل منهم ابداع مختلف ومتفرد. في كل يوم يقف الممثل علي خشبة المسرح ليقدم نفس الدور ونفس الشخصية والحوار والحركة والالتفاتة، وبرغم ذلك لا يكون نفسه كل يوم، ولا ينزل النهر مرتين! كثيرا ما قام الفنان حسن سليمان بتحدي نفسه وتحدي طاقاته الابداعية.. في معرض »طبيعة صامتة« 2002 وضع آنيتين من الفخار علي منضدة رمادية أمامه.. ثبت حامل اللوحات أمامها محددا زاوية النظر.. وعلي مدي شهرين أو أكثر رسم 04 لوحة للآنيتين الفخاريتين، وجميعها كانت مختلفة. حدد علماء الجمال 45 موضوعا أو حبكة تدور حولها الاعمال الابداعية.. الافكار مشتركة.. »الافكار علي قارعة الطريق«... الفارق بين الابداع والابداع هو بالضبط وجهة النظر والرؤية التي يقدمها الكاتب، الابداع ليس حكاية بختامها يتزوج الابطال.. ولكن »كيفية« الحكاية.. كيف نسردها ونحكيها ولماذا؟