الإنسان له عادة علاقات متعددة ومتنوعة مع الآخرين.. منهم أهله الأقربون.. الأبوان، الإخوة، الزوجة، الأبناء، ثم الأقارب.. القريبون منهم والبعيدون.. وله علاقات عمل، وعلاقات صداقة وتعارف، وعلاقات تقوم علي المصالح، وعلاقات تنافسية، ثم تعاملات عادية مع اناس لا تربطه بهم أي علاقة خاصة. والإنسان في تعاملاته قد يلتزم نهجاً واحداً، يقوم علي المودة والصراحة، والصدق والأمانة، لا يحيد عنه مع قريب أو بعيد، وقد لا يلتزم بهذا المبدأ.. فيتعامل مع من يحب بطريقة ويتعامل مع الآخرين بطريقة أخري.. ويظن أن هذا مطلوب وسليم.. في حين أنه ليس كذلك لأسباب متعددة. منها أن الانسان كل لا يتجزأ، فلا يمكن أن يكون أميناً صادقاً مع أناس، وأن يكون خائناً كذاباً مع آخرين.. لا يمكن أن يكون ودوداً رقيقاً مع قوم، وأن يكون فظاً غليظاً مع آخرين.. وان حاول ذلك اختلطت عليه الأمور، فيكذب حين يريد الصدق، ويخون من إئتمن عليهم، وهكذا.. لا يمكن أن يكون أي انسان شخصين في شخص واحد »ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه« الاحزاب 4 وسيأتي وقت تطغي فيه الصفات الذميمة كلها علي مجمل تصرفاته، لأنها أسهل علي اصحاب النفوس غير السوية، فلا تعود فيه خصلة طيبة واحدة.. وسيخسر الناس جميعاً، وسيمقته وينبذه الناس جميعاً. وعلاوة علي ذلك فسوف تهتز شخصيته، بحيث يؤدي به ذلك إلي انفصام الشخصية.. أي إنسان له شخصيتان مختلفتان في نفس الوقت، والعياذ بالله. البساطة واللين وسماحة الخلق والوجه البسام، والصدق والأمانة والصراحة، هي من سمات الإنسان السوي، الذي يتعامل مع الناس جميعاً بهذه الصفات الحلوة، فيحبه الناس ويثقون فيه ويرتاحون إليه، وحب الناس دليل علي حب الله، فعندما يحب الله عبداً يحببه إلي خلقه، وعندما يبغض الله عبداً يبغضه إلي خلقه، فيصبح بينهم منبوذاً مهتريء الصلات بالآخرين، لا يحبونه ولا يثقون فيه ولا يرتاحون إليه.. فلم يرتضي إنسان لنفسه أن يكون هكذا بين الناس؟! إلا أن يكون إنساناً شاذاً يسعد بكراهية الناس له، بل ويتباهي بذلك»!« نعم.. لقد عرفت إنساناً هذا شأنه.. كان يجاهر بأنه مكروه، وان ذلك لا يزعجه إطلاقاً، بل لعله يريحه ويرضيه.. ولله في خلقه شئون. ننتقل إلي الأصحاء نفسياً، الذين يألفون ويؤلفون.. أي الذين يألفون الناس والناس تألفهم، وتجد لديهم المودة في الصحبة والإخلاص في النية والقول والعمل.. فلا يقولون شيئاً ويفعلون خلافه، ممن يقول الله فيهم »يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون. كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون« الصف 23 فالله يوجهنا في المعاملات وليس فقط في العبادات.. يحب لنا أن نكون أسوياء.. نفعل ما نقول إننا نفعله، ولا نقول شيئاً ونفعل عكسه.. كأن ندعي الصدق ونحن كاذبون، بل ونحلف بأننا صادقون »ويحلفون علي الكذب وهم يعلمون« المجادلة 41 أو ندعي الأمانة ثم نخون الأمانة، أو نقول إننا نصلح بين الناس ونحن نفسد بينهم، بما ننقله إلي كل طرف عن الطرف الآخر، فتتأجج الخصومة وتصبح نارا مستعرة. لنتق الله في أنفسنا أولاً، ونكون كما أراد الله لنا أن نكون »يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولا قولاً سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما« الأحزاب 07 17.