جمال الغيطانى يدخل صديق العمر يوسف القعيد اليوم عامه الثامن والستين ، يدخله وحيدا، حزينا، بعد رحيل رفيقة رحلته وحياته منذ أسابيع. تعرفت عليه في منتصف الستينيات، كان يكتب الرواية والقصة والمقالات. جاء من الضهرية، القرية الجميلة المطلة علي النيل في البحيرة، وأمضي تسع سنوات في الخدمة العسكرية، بدأها في عام خمسة وستين وأنهاها عام أربعة وسبعين، وبدأ عمله في دار الهلال الذي أنهاه بقرار منه وهو في الخامسة والخمسين قبل بلوغه سن التقاعد وهو في قمة تألقه الصحفي والمهني، وذروة الصلة برفاق العمل من صحفيين وعمال واداريين، وكلهم يحتفظون له بالود الجميل، خرج من دار الهلال ذلك اليوم البعيد وجاء الي ندوة نجيب محفوظ الذي جمعنا، وتحلقنا حوله منذ الستينيات حتي رحيله في عام الفين وستة وليته يحكي تجربته الصحفية، لقد آثر الهدوء والصمت. ينتمي القعيد الي جيل الستينيات الذي عاش ظروفا صعبة وخاض حروبا حقيقية، ومهد أدباؤه الكبار للثورة في يناير، وعندما بدأت الثورة تقدم جيل آخر مغاير لم تربطه بالسابقين صلة وبدأ معلقا في فراغ، لذلك كان من السهل الانقضاض عليه من لصوص الثورات وهم أكثر عددا من لصوص الثروات، وهاهي النتيجة فيما نعيشه الآن. القعيد روائي كبير. عبر عن الفئات الشعبية الكادحة، ودق ناقوس الخطر مبكرا في أدبه مع بداية الانحطاط الساداتي بمصر. وليت الاجيال الجديدة تقرأ »البيات الشتوي« و»الحرب في بر مصر« و»يحدث في مصر الآن« وثلاثيته »شكاوي المصري الفصيح«. القعيد كاتب واقعي كبير، ومواقفه ناصعة، لكن ظلت مسافة بينه وبين قوي اليسار التي كان لها نفوذ في الواقع الثقافي، واحتفت قوي اليسار بمن هم أقل منه وشأنا وصنعوا منهم أساطير، لذلك تبدو اعادة النظر في تاريخنا الثقافي ضرورية، أتمني من الدكتور احمد مجاهد في إطار الثورة الحقيقية التي تشهدها الهيئة العامة للكتاب ان يقدم الاعمال الكاملة للقعيد، وقد بدأ هذا بالفعل مع قامات كبري من أجيال مختلفة كان النسيان قد بدأ يزحف اليهم، من يصدق ان اعمال فتحي غانم اختفت منذ سنوات وتبعث الآن من الهيئة، القعيد انسان اصيل الخصال والمواقف. وليلة عزاء رفيقة عمره كانت رموز مصر كلها حاضرة رجالا ونساء، تابعته خلال الاسابيع الماضية وهو يتدرب علي معايشة الوحدة والاعتياد علي مواجهة الحياة المضطربة والتي تزداد اضطرابا في بلادنا، أقول له اليوم، عام جديد في عمرك الذي أتمني ان يطول، وان نقرأ لك قريبا روايتك الجديدة »قسمة الغرماء« ومزيدا من الابداع الجميل.