تصوير : خالد سلامةآقامت مجلة «ادب ونقد» لقاء مع الشاعر العراقي عبد الكريم كاصد أحد رواد الشعر العراقي في جيل الستينيات وصاحب دواوين «الحقائب» و«النقر علي أبواب الطفولة»، و«وردة البيكاجي» و«نزهة الآلام» و«دقات لا يبلغها الضو»» و«ولائم الحداد»، و«هجاء الحجر»، وأدار اللقاء الشاعر حلمي سالم، الذي قال في تقديمه لكاصد: «أن تكون في حضرة شاعر عراقي فأنت- بالضبط- في حضرة بئر الشعر ، أي في حضرة الوطن الذي قدم للحياة العربية كتائب متتالية من الشعراء في كل جيل، حتي لحظتنا الراهنة. هذا الشاعر له ديوان اسمه «الحقائب» فكأنه يؤرخ لترحاله الدائم لا سيما إذ اكان من جيل الستينيات في العراق، لأنني أظن أن هذا الجيل هو الذي اصطلي بنار الاستبداد لأن الجيل الذي سبقه جاءوا ابان الاحتلال، لكن جيل الستينيات في العراق وفي البلاد العربية هو الجيل الذي ظهر مع صعود الدولة العربية الحديثة التي حررت الوطن واعتقلت المواطن ودفع هذا الجيل الثمن الباهظ، ونري في تجربة عبد الكريم كاصد ذلك الوجع في ديوانه «نزهة الآلام» كأنه يسجل هذا المسار الأليم. وتحدث عبد الكريم كاصد قائلا: «حين مررت بالقاهرة عابرا قبل اربعين سنة لم أكن اتخيل أن احملها معي اينما رحلت، وجوه وبرديات خالدة، وحين عدت إليها بعد اربعين عاما لم أكن أكن اتخيل أن اقرأ قصائدي في القلب منها في «حزب التجمع» صاحب المواقف المضيئة في الحياة السياسية المصرية والعربية، وقريبا من نبض مصرالمتسارع لأقصي الأرض «ميدان التحرير». ثم قرأ «كاصد» مجموعة من القصائد كان أولها قصيدة «الحقائب» ومنها: لماذا انشد السلاسل عبر ألوف من الكيلومترات نرناتح في غرف مر فيها ألوف من الناس؟؟ نبصر وجوه في الوجوه.. ونمضي/ لنمسح عند المساء غبارا تراكم فوق الحقائب/ لماذا الحقائب؟/ ثلاث سنين وتوقظ عند كل صباح/ فننهض فوق أسرتنا بالبجامات منطفئين/ ونقفز نحملها/ ثم نرجع للباب منكفئين/ لنمسح عن راحتينا غبار الحقائب». أسد بابل ثم قرأ كاصد قصائد «أسد بابل» و«هجاء الحجر» وجنون ابن الهيثم» ومنها «في يوم اسود/ عاد ابن الحسن بن الهيثم/ من اعلي النيل / إلي اسفله/ يتبع شمسا بيضاء/ ويري ظله مشنوقا/ يتدلي من اعلي السقف فارتجف». ويقول في مرثية ابي نواس «يا ابا نواس/ ما الدي اسلم العبد/ نديم الملوك/ الي رحلة لا نديم بها عبر صحراء نائية وسماء تشب/ ونجم تعلق خبز الخصيب به/ ما الذي وعاد به وهو افقر من قبل». ثم اختتم «كاصد» قصائده بقراءة قصيدة كتبها خلال زيارته الأخيرة للقاهرة تحت عنوان «ساحة التحرير.. ساحة القيامة» ومنها: هذه الساحة/ يدخلها الناس خيمة الاطفال ملعبا/ الصيارفة سوقا الجمال بادية/ الخيول: ساحة حرب من يمسح الدمع عن عنق الوردة ويقول للنائم الجميل، ألا فانهض انظر: المصلون حين يحنون جباههم تلامس السماء ذلك الضرير القادم إلي الساحة لا أحد يقوده حتي عصاه هلال يأتي حاملا صليبه صليب يأتي حاملا هلاله والساحة تمتد مصر: من اقصي الساحة يأتي الصوت إلي افسحوا الطريق في الهواء طائر يمر تجربة المنفي ثم تحدث عبد الكريم كاصد عن تجربة المنفي وخروجه من العراق في بداية الستينيات قائلا: «نحن في العراق عشنا ظروفا صعبة، بعد سيادة خرب البعث عام 1963، فمنا من هاجر ومنا من نفي، وقد مارس البعثيون ارهابا مكشوفا ضد من عاشوا ماضيا سياسيا نظيفا، فكان نصيبي الهرب فهربت علي جمل في قافلة مكونة من ستة اشخاص، ظلت تمشي في الصحراء لمدة اسبوع، ثم التقينا بقافلة أخري علي الحدود السعودية مكونة من مصريين وسوريين هاربين يبحثون عن عمل تكدسنا جميعا في «تل كرماء» وقد اختنق منا اثنان داخل خزان، ووصلنا بصعوبة إلي الكويت، ثم قضيت فترة في عدن، ثم بيروت وسوريا ثم ذهبت إلي اوروبا». وقد شهد اللقاء مجموعة من المداخلات فتحدث الكاتب اللبناني فرحان صالح: الشعر مرآة الشعوب لأنه متعدد الاوجه ، فالشاعر يصنع عالمه من جهة ويصنع من الجهة الاخري صورة للمستقبل، فالشعر شكل مناخات قامت عليها علوم العرب فكان فاتحة للخيال العلمي». وتساءل الشاعر محمود الشاذلي عن التواصل بين الشعراء العرب، هل المسألة السلطوية لها الدخل في ذلك؟ أما الكاتب العراقي أحمد القاسم فقال:الشعر في العراق هو السيرة الذاتية للثقافة بداية من الجواهري والرصافي حتي الآن، وتساءل القاسم: عن المزج بين السياسة والثقافة في الستينيات حصل خدم الابدع العراقي أم لا، فهناك دائما هامش مكورة؟ وأشار الشاعر سيد يونس إلي أن قصيدة «كاصد» متطورة وقريبة من الاجيال التالية له. وقال عبد الشكور حسين: أن تحميل الشعر بأن يفعل كل شيء هاجس قديم، بالاضافة إلي أن الشعراء العظام بحاجة إلي نقاد عظام. أما الشاعر عبد العزيز موافي فقال إن الثقافة العراقية شكلت جزءا مهما من الوجدان والعقل العربي الحديث فالثورة الثقافية العراقية في الثمانينيات توازي الثورة الثقافية المصرية في الستينيات وهي أحد الاشياء التي تحسب لصدام حسين. وأضاف موافي أما عن تجربة «عبد الكريم كاصد- فإن الشعر الجديد - دائما هو الذي يبدأ بالخاص وينتهي بالعام هوالذي يتعدد ويختلف. أما فكرة الاغتراب وما يتبعها من المنافي والملاحقة- وهي سمة اساسية في شعر الستينيات عمومات. هناك الحقبة المشهورة في قصيدة محمود درويش «أحمد الزعتر» وأشعار البياتي في المنفي، فالغربة عادة هي غربة عن الهوية، والاغتراب قد يكون داخل الوطن، وهي أزمة الشعراء الستين تقريبا. كما أشار موافي إلي بعض السمات الموجودة في قصائد «كاصد» ومنها اللغة التداولية» و«المفارقة» وغيرها.