جاءت الدولة العباسية في خلافة حكم المسلمين والعرب علي أطلال الدولة الاموية في الفترة ما بين عامي 231 ه إلي 656 ه أي ما يربو علي خمسة قرون.. في فترتي حكم جاءت الأولي حتي عام 232 ه أي قرن من الزمان.. وهو عصر يمتاز بقوة نفوذ السلطان العباسي واحتوي كثير من القضايا والمواقف التي كانت موضع اهتمام كثير من المؤرخين وفق منهج معين والذي استلزم إلقاء الضوء علي قضايا ومواقف هامة في حياة العرب والمسلمين. والخلافة في الاسلام هي رضا الشعب بحكم الفرد أو الجماعة ولكن العباسيين ارتأوا توريثها فيما بين بني العباس فقط الذين ينتمون الي العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلي الله عليه وآله وسلم.. واتخذوا من الكوفة بالعراق عاصمة لمركز حكمهم بعد أن كانت دمشق مركز حكم الأمويين. أما العصر العباسي الثاني فقد كان طويلاً جداً حيث احتضن الفترة ما بين عامي 232 ه إلي 656 ه وهو التاريخ الذي قضي فيه التتار علي حكم بني العباس وسقوط بغداد واضحت تترية وتم القاء الكتب في نهر الفرات حتي صارت سداً يمشي عليه المغيرون.. الذين لم يوقف زحفهم سوي مماليك مصر وانتصروا عليهم في موقعة عين جالوت بالقاهرة عام 856 ه وطردوهم عن العروبة والإسلام الي بلاد ما وراء النهر - أي نهر السند ببلاد الهند. وخلال العصر العباسي الثاني تقلص نفوذ السلطات العباسي وظهرت حكومات تدير الدولة واضحت الخلافة مظهراً شكلياً.. مثل الأتراك والسلاجقة وبنو البوية.. فقد شهد عصر المأمون استقدام العنصر التركي إلي حكم الدولة العباسية في ظرف احتدام الصراع بين الاخوين: محمد الأمين وعبدالله المأمون وهو صراع شبه عرقي بين العرب الذين ناصروا الأمين ذا الأم العربية من جهة، والفرس الذين تربطهم بالمأمون مصاهرة. خاصة أن الفرس سعوا الي استعادة مكانتهم التي فقدت في نهاية عصر الرشيد الذي قضي علي نفوذ البرامكة ومن أجل هذا بدأ المأمون في الاستعانة بالاتراك الذين اختارهم إبان اقامته في خراسان واستقدم عدداً محدوداً منهم في بادئ الأمر. ولما ولي المعتصم وكانت أمه تركية زاد من عددهم بصورة جاءت علي مصلحة الخلافة والشعب ذاته.. فعمل الخليفة علي تقليص عددهم بأن نقلهم إلي مدينة سامراء. والتاريخ يؤكد أن المعتصم هو الذي زاد من نفوذ الأتراك في حكمه ليصبحوا حكومات في خلافة مسالمة.. ولا أحد يستطيع أن ينكر مشعل الحضارة والنور الذي واكب العصر العباسي ولكن التدخلات الوافدة اضرت بالعروبة ومكانتها. في الخلافة العباسية.. ووسط هذه الأمواج المتلاطمة جاءت فتنة خلق القرآن التي آمن بها بنوا العباس وتصدي لهم الإمام أحمد بن حنبل الذي دفع ثمن ذلك في سجنه بضع سنين حتي بليت ثيابه ونحل جسده وصار شيخا في ريعان شبابه. وقد بدأت فتنة القول بخلق القرآن الكريم علي يد الخليفة المأمون بواسطة المعتزلة الذين كان يؤمن بآرائهم وأقوالهم ويعتنق ما يذهبون إليه.. ويقرب أتباعهم ويجعل لهم الكلمة في عصر خلافته. الإمام أحمد بن حنبل واجه ذلك كله بثبات وصبر وقدرة إلهية علي أيام سجنه رافضاً تلك الاقوال.. وقد استدعاه يوماً الخليفة المعتصم من سجنه وجادله وأغراه حتي يقر قول خلق القرآن والمخلوق يموت ولكن الإمام بن حنبل رفض ذلك كله وقال هو كلام الله وترك زخرف الحياة ورونقها بين يدي الخليفة المعتصم وسيق الي السجن بأشباحه المخيفة وظلامه الدامس ولياليه الطويلة. كاتب المقال: نقيب المحامين رئيس اتحاد المحامين العرب