عاصم عبد المحسن من زرع حصد. لجنة التعديلات الدستورية التي ترأسها المستشار طارق البشري وضمت في عضويتها المحامي الاخواني صبحي صالح زرعت ألغاما وقنابل استوت علي سوقها والآن وقت الحصاد. لاجدوي من البحث عن نوايا اللجنة وهل كانت تعرف ما تفعل أم أنها تصرفت بحسن نية حين أصرت علي الا يتم وضع الدستور أولا قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية وحين تركت أمر تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور قابلا لأي ولكل تفسير فكان ما كان. الاخوان - ولا نقول حزب الحرية والعدالة حيث لم يتم الفصل بين الجماعة والحزب - سيطروا علي مجلسي الشعب والشوري. بالاخوان جوع إلي السلطة عمره أكثر من 80 عاما وقد حانت اللحظة. تاريخ الاخوان السياسي قد ينطبق عليه وصف البراجماتي. البراجماتي تعبير أمريكي ترجمته الدقيقة هي " المنفعجي" أو "المصلحجي". البراجماتي لا يعرف سوي مصلحته ومنفعته. هكذا كان السلوك مع الانجليز والقصر وحكومات الاقلية قبل ثورة 1952 وهكذا كان بعدها مع عبد الناصر والسادات ومبارك بما في ذلك صفقة برلمان 2005 التي حصل الاخوان بمقتضاها علي 88 مقعدا.. الآن الاخوان يتصدرون المشهد. فرصة لم يكن أكثر الناس تفاؤلا يحلم بها فينبغي العض عليها بالاسنان والنواجذ. هناك خشية ايضا من ألا تتكرر ومن هنا الاندفاع للتكويش من أجل التمكين. القول ونقيضه مبرر ما دام يخدم المصلحة والهدف. "المؤمن رجاع" كما يقولون في قريتنا. في الدول التي تعرف الديمقراطية وتمارسها فإن أقسي انتقاد يمكن أن يوجه الي سياسي هو أنه " لم يرتق الي مستوي الموقف" أو "لم يرتفع الي مستوي المسئولية". كلا الامرين حدث في تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وكلا الامرين يتحمله الاخوان سياسيا. لجنة التعديلات الدستورية سعت الي ما لم يأت به الاوائل والاواخر وهو أن ينجب الابن أباه. الاصل هو الدستور. هو الذي ينشئ ويحدد السلطات الاخري التشريعية والتنفيذية والقضائية. سنة الله في خلقه أن الاصل هو الذي يوجد الفرع. خالفناها فأحيط بنا. الاغلبية البرلمانية متغيرة بطبيعتها ومن ثم فليس منطقيا أن يناط بالمتغير وضع الثابت. واذا كان الامر قد قضي وفقا للتعديلات التي أقرت في استفتاء 19 مارس 2011 بأن ينتخب البرلمان أعضاء اللجنة التأسيسية فقد كان ينبغي الارتفاع الي مستوي المسئولية وادراك أن المصلحة الوطنية تعلو فوق المصلحة الحزبية وأن تشكيل اللجنة يجب أن يتضمن ممثلين لكل شرائح المجتمع . إن غلبة لون سياسي واحد علي التشكيل يفقده مصداقيته حتي لو كان ما سوف يسفر عنه عمله انتاج دستور لم يأت به الاوائل والاواخر. إن الخفة التي يجري الحديث بها عن أن وضع الدستور الجديد لن يستغرق وقتا طويلا وأن معظم دستور 1971 فيما عدا الباب الخامس والخاص بسلطات رئيس الجمهورية يصلح للدستور الجديد نذير شؤم لانه يتجاهل تطورات جرت خلال 40 عاما سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية كما أنه يغفل تطلعات مستقبل يؤسس لمصر جديدة متسقة مع نفسها ومع محيطها. المسألة ليست استنساخا لما عفي عليه الزمن مع بعض الجراحات التجميلية كتلك التي تلجأ اليها بعض السيدات في محاولة لاصلاح ما أفسده الدهر. المسألة هي مستقبل مصر وطبيعة العلاقات بين مختلف شرائح أهلها وحقوقهم في إطار مواطنة كاملة لا تنتقص من حق أحد بسبب جنسه أو معتقده أو دينه. الامر لم يفت بعد ويمكن مراجعة تشكيل الجمعية فالهدف مصر ومصر أكبر من أن نزرع لها الريح فنجني العاصفة.