محمود عارف مصطفي أمين: الصحافة الحرة الملتزمة بقضايا المعذبين في الوطن تاج علي رأس الشعب وليست حذاء في قدم الحاكم لقد كانت ثورة 52 يناير بعثا جديدا، أعادت الروح إلي الشعب المصري، الذي هب بعد سبات عميق، يطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية، وبحياة حرة كريمة بعد ليل طويل، من الذل والهوان والعيش الفقير، امتد لعقود طويلة.. وتذكرني ثورة الشباب برواية عودة الروح للكاتب الكبير توفيق الحكيم التي مهدت لقيام ثورة 9191 وهو أول كاتب مصري تنبأ بثورة 32 يوليو 2591 قبل موعدها بسبع سنوات، وقدم الحكيم صورة للواقع المصري، الذي يعيشه الشعب، وهو واقع مؤلم، تنهشه أمراض كثيرة لا حصر لها تحيط بالأغلبية المقهورة من العمال والفلاحين الذين يجاهدون من أجل الحصول علي لقمة العيش، ويتحصلون عليها بشق الأنفس، ولقد مهد الحكيم في روايته لقيام ثورة 25، أملا في ان تخلص الشعب من رق العبودية، ومن فقره المدقع، وما به من جهل وتخلف ومرض ومن احتلال بغيض ظل جاثما علي صدور البلاد لأكثر من 07 عاما، منذ عام 2881 إلي عام 4591، لقد مهد الحكيم لهذه الثورة بحوار دار بين مفتش الري الإنجليزي مستر »بلاك« وكان يزدري الفلاح المصري وينعته بالجهل، ويرتدي الجلابيب الزرقاء وينام مع البهائم.. وبين مفتش الآثار الفرنسي مسيو فوكيه الذي استفزه ما قاله مفتش الري وانبري للدفاع عن الفلاح المصري قائلا: ان هذا الشعب تحسبه جاهلا بينما يعلم أشياء كثيرة بقلبه لا بعقله، القوة في نفسه ولا بعلم.. ناصحا المفتش الانجليزي: احترس من هذا الشعب، فهو يخفي قوة نفسية هائلة، ولا يغرك صمته وصبره ويسخر المفتش الانجليزي متسائلا: أين..؟! ويجيبه الفرنسي: في البئر العميقة التي خرجت منها تلك الأهرامات الثلاثة، ويتعجب الانجليزي: الأهرامات الثلاثة، ويجيب الفرنسي: نعم، تلك الأهرامات التي قال عنها عالم الآثار الفرنسي الشهير مورييه لقد كان حلما فوق البشر، تحقق مرة علي هذه الأرض، ولكنه لن يعود أبدا وانفعل الانجليزي: كل هذا خرج من هذه البئر.. أي بئر؟! وأشار الفرنسي إلي الجهة اليسري من صدره: القلب، لا تسخر من هذا الشعب، ان القوة كامنة فيه، ولا ينقصه سوي ظهور المعبود الذي يمثل الشرارة التي تلهب عواطفه ليأتي بمعجزة أخري كالأهرامات، وجسد توفيق الحكيم ذلك المعبود المنتظر في شخصية ايزيس رمز مصر وسعد زغلول الذي قاد ثورة 91 باعتباره رمزا لإله البعث أوزوريس.. وكانت مصر تنتظر هذا المعبود علي مدي 06 عاما، وكان هم الشباب الذين هبوا في 52 يناير يحطمون الطواغيت، ويكسرون قيودهم طلبا للحرية وتحقيقا لكرامة الإنسان المصري، كانت الثورة بركانا مزمجرا يكتسح أمامه الطغاة والحكم الفاسد، ويضع حدا للفساد الذي استشري في كل انحاء البلاد.. ولم يفطن الحاكم المستبد طوال سنوات حكمه الطويل إلي ان صبر الشعب المغلوب علي أمره قد نفد.. ولم يفطن ان جذوة ثورة 91 لاتزال تسري في الجسد المصري، وفي انتظار المعبود الذي يخلص البلاد من حكم الفرد ويقتلع الفساد من جذوره حتي تعود مصر للمصريين.. وتجاهلوا ان للصبر حدودا، وان الثورة قد تهب في أي وقت، كما حدث في ثورة 91، الرامية إلي استقلال الوطن بالتخلص من الاستعمار الانجليزي واعوانه.. وفي غمرة لهو الحاكم وحاشيته وتفرغهم لسرقة الشعب وعلي غير موعد فاجأ الشباب العالم بثورته في 52 يناير.. مطالبا بحريته المسلوبة وكرامته المهدرة، وحقوقه الضائعة. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تقدم الشباب الصفوف، واجه الظلم وجبروت الحاكم بلا خوف وبلا تردد، في الوقت الذي تواري فيه حكماء الأمة ومثقفوها عن الميدان، ولاذوا بالصمت، والاجابة بسيطة ان الشباب في كل أمة هو قوتها، وهو حيويتها، وتاريخ الدنيا كلها منذ ان عرف للدنيا تاريخ، كما يقول المفكر والسياسي والمناضل، والوزير الأستاذ فتحي رضوان.. هذا التاريخ من صنع الشباب، فالشباب هو النار والوقود والالهام، وليس يعرف الناس عملا ثوريا قلب وجه الأرض إلا وكان الشباب صاحب فكرته أو واضع خطته بل ومنفذه كله، ولو تأمل الناس تاريخ البشرية واستذكر اسماء أبطالها، وبحث عن عمرهم واحدا بعد واحد، سيجد ان الذين نادوا بالمبادئ والذين قادوا الجيوش، والذين فتحوا للناس أبواب التفكير والأمل، والذين ألهبوا الثورات، كانوا جميعا من الشباب الذي يجري دمهم في عروقهم حارا وكل من يمعن النظر في هذه الحياة يستطيع ان يعرف ان الدنيا التي نعيش فيها ليس إلا من صنع الشباب.. لذلك لم يكن مستغربا ان يقوم الشباب المصري بثورته المباركة، هذه الثورة الشابة التي أعادت للشعب حريته، هذه الثورة الشابة هي التي مكنت الصحافة من العودة إلي أداء رسالتها الحقيقية، والقيام بدورها في التنوير والتثقيف، بعد ان تم اختطافها وأسرها علي مدي 06 عاما وظلت حبيسة الرأي الواحد، والشعارات الكاذبة، ومن المسلم به ان الصحافة ملك للشعب تعكس نبض الشارع، وتلقي الضوء علي ما يعانيه الناس من متاعب وأوجاع، ومن أجل مستقبل أفضل وليست ملك فرد حاكم، والذي حولها إلي صحافة ملاكي، وبوق لتقديسه، تزين له سوء عمله، وما يرتكبه في حق الوطن والمواطن من جرائم وآثام، وأكثر من هذا جعلها سوطا يلهب ظهور المطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية وبالحكم الرشيد، بل لم يكتف الحاكم بذلك بل استخدمها اداة تشهير، لكل من يخالف توجهاته المريضة.. وفي ظل هذا الأسر والكبت، وجد المنافقون الفرصة سانحة، للنفاق، بلا خجل أو حياء، فوجدنا احد هؤلاء يكتب مقالا نشرته الجريدة التي يرأس تحريرها يهنئ فيها الرئيس السابق حسني مبارك بعيد ميلاده قائلا: لقد ولدت مصر من جديد يوم مولدك..»!!«.. ورأينا كثيرا منهم يهبطون إلي الدرك الأسفل في حوارهم مع معارضي الرئيس السابق مستخدمين أحط الألفاظ، مما انعكس علي الحياة السياسية والفكرية وأصابها بالدوار، فرأينا كتاب السلطة يواجهون الخصوم بألفاظ تخدش الحياء، ومن المفيد للقارئ والباحث حتي يعرف الكثير من هذا التدني في الحوار ان يعود إلي كتاب قيم صاغه الكاتب الصحفي ياسر بركات في مؤلفه: الاعلام البديل ويشير الكاتب إلي أكثر من واقعة تفضح الكذب والتزوير، ويضرب بعض الأمثلة: قضية الشاب خالد سعيد علي ايدي فردين من جهاز الشرطة، الذي اطلق عليه أحد الكتاب في الجريدة التي يرأس تحريرها: شهيد البانجو، وكاتب آخر يهاجم احد زملائه واصفا إياه بالشاذ، وآخر تفرغ لمهاجمة النشطاء السياسيين، إلي الدرجة الذي وصف احدي الناشطات بأحط الايحاءات قائلا: المفترض في أي كشف بيطري أن يتم فحص لسان أي كلب.. وبالمرة نريد ان نعرف طول لسان كل كلب، وهل هذه الناشطة تحرص علي اقتناء نوع معين من الكلاب أم تفضل نوعا بعينه، وهل هناك مدرب لهما أم انهما يعيشان علي الفطرة وبها. والمقال حافل بفكر ساقط من القول، وهو ما يتنافي مع آداب المهنة وميثاق الشرف الصحفي، ولم يجد من يحاسبه نقابيا لان النقابة غائبة أو مغيبة بفعل فاعل والفاعل معروف وباختصار مفيد نائمة في العسل الاسود، وكاتب آخر متحدثا عن صاج وحديد طائرة الرئيس السابق الذي يستمد قيمته من وجود الرئيس علي متنها، وكاتب آخر يصف حبه الشديد للحوم والمشويات والشاي ويبدي انبهاره بالموائد التي يحضرها خارج الوطن ذهابا وايابا علي متن الطائرة الرئاسية.. وكانت السقطة المهنية الكبري عندما قامت صحيفة شهيرة ذات تاريخ عريق بتغيير صورة الرئيس السابق اثناء عبوره صالة البيت الابيض مع الرؤساء: أوباما والملك عبدالله والرئيس أبومازن ونتنياهو، التي التقطها المصور تشاك كنيدي، اثناء الجولة الأولي لمفاوضات السلام المباشرة في سبتمبر 7002، فقد أعادت الجريدة المصرية الشهيرة نشر الصورة بعد التلاعب في تفاصيلها بأن جعلت مبارك في المقدمة ومن خلفه يسير الرؤساء.. وهو الأمر الذي جعل الصحيفة موضع السخرية في كل أنحاء العالم واتهامها بالفبركة وبعدم الأمانة الصحفية. شكرا لثورة الشباب، وشباب الثورة، لقد كانت ثورتهم صاحبة فضل علي الصحافة، فحطمت قيودها، واصبحت صفحاتها فضاء رحبا، يتسع لكل الآراء المؤيدة والمعارضة، وأصبحت بحق صوت الشعب بكل فئاته واطيافه السياسية والفكرية.. رغم حملات الهجوم والتشهير علي الاعلام، وان ثورة 52 يناير لم تدخل بعد بلاط صاحبة الجلالة الصحافة.. فلاتزال تعاني من المتحولين الذين يجيدون فنون السطو والقفز علي مكتسبات الشعب. ومازال الشعب ينادي في كل أزماته: »الصحافة فين«! حكمة فلاسفة جون شتانيبك: سمة القيادة أن تحس بالحاجة إلي التغيير وان تكون قادرة عليه بإرادتها قبل ان يفرض التغيير نفسه بإرادة أخري. برناردو شو: مأساة الكذاب، والمنافق، ليست في أن أحدا لا يصدقه، وإنما في أنه لا يصدق نفسه! ميخائيل نعيمة: ما أضيق فكري، مادام لا يتسع لفكر الآخرين. مارك توين: الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يخجل، لأنه الوحيد الذي يفعل ما يخجل. جلال الدين الحمامصي: من الصعب ان تكون الصحافة معبرة عن إرادة الشعب في عهد الحكم العسكري.. لقد غاب عن معظم الحكام هذه الحقيقة المرة، وهي ان ما من شعب أهمل رأيه، وفكره، وديست حقوقه بالأقدام إلا وكانت لحظة انفجاره لتحقيق التغيير أشد عنفاً مما قد تفعله السلطة الغاشمة والارهاب. محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر في الثلاثينيات من القرن الماضي: أشعر بغضاضة، عندما اصافح يدا تقبض ثمن الثناء علي.. وأفضل ان أصافح يد الصحفي الشريف الذي يهاجمني في سبيل المبدأ والحق والعدل. أحمد ماهر رئيس وزراء مصر في الثلاثينيات من القرن الماضي: من مصلحة الدولة ان تبقي المعارضة قوية.. وهذا هو التوازن.. ان بلداً من غير معارضة قوية هو بلد يحكمه الطغيان. حمار الحكيم قال حمار الحكيم يوماً: متي ينصفني الزمان فأركب.. فأنا جاهل بسيط أما صاحبي فجاهل مُركّب.. قال له الحكيم: وما الفرق بين الجاهل البسيط والجاهل المرُكّب؟! قال الحمار: الجاهل البسيط من يعلم انه جاهل، أما الجاهل المُركّب فهو يجهل انه جاهل!