كما كان متوقعا وتمشيا مع استراتيجية المرحلية التي تبنتها جماعة الاخوان المسلمين بعد نجاحها في السيطرة علي مجريات ثورة 25 يناير.. ان يصبح الطريق أمامها مفتوحا للوصول الي سدة الحكم. وكما ذكرت في مقال الامس فقد تضمنت هذه الاستراتيجية عدة مراحل ساعدت الظروف والتوقيتات والتربيطات والاستعدادات المسبقة علي تحقيقها حتي الآن. لقد كان واضحا ان الهيمنة علي اللجنة الدستورية التي سيوكل اليها اعداد الدستور الدائم كان هدفا لها في كل المراحل وكل الخطوات منذ البداية. تمثل ذلك في عملية تشكيل اللجنة التي كُلفت باعداد الاعلان الدستوري الذي أقر بإجراء انتخابات مجلسي الشعب والشوري قبل اعداد الدستور الدائم وهو ما يعني اسقاط أساس بناء اي مؤسسات دستورية أو تنفيذية في دولة ما بعد الثورة. تم الجنوح لهذه الخطوة من خلال لجنة البشري باعتبار ان جماعة الاخوان كانت هي الجاهزة لهذه الانتخابات من خلال أنشطتها وكوادرها العلنية والسرية. كان الاستيلاء علي مجلسي الشعب والشوري بكل السبل والوسائل أحد أهم ما تسعي إليه الجماعة خاصة بعد ان تم تضمين مبادئ الاعلان الدستوري »المادة 60« حيث تعمد ان تكون فضفاضة بما يسمح لهذا المجلس بالتسلط علي تشكيل اللجنة التأسيسية لاعداد الدستور الدائم. وسارت الامور وفق هذا المخطط دون النظر الي تجارب الامم الاخري والتي قامت بتشكيل لجان اعداد دساتيرها من خارج البرلمان ضمانا للاستقلالية وان تكون صورة صحيحة وحقيقية لاطياف الشعب.. واضعين في الاعتبار ان هذا الدستور هو الذي يرسم شكل تشكيل مجلس الشعب وسلطاته وليس العكس. وفي اطار عمليات الخداع والمناورة التي صاحبت هذا التحرك نحو تنفيذ هذا المخطط تعمدت الجماعة اطلاق العديد من التصريحات علي لسان مسئوليها والتي كانت تتحدث عن تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور. تحدثوا عن عدد النواب في عضوية لجنة الدستور بشكل مراوغ واشاروا الي عدم النية في ترشيح رئيس للجمهورية وهو ما لم يحدث. كان من الطبيعي ان تثير الشكوك دعاويهم بانه يجب ان تكون عضوية لجنة الدستور بالتوافق وان اعضاءها يجب ان يمثلوا كل طوائف الشعب وقواه السياسية. وامعانا في هذا الخداع تحدثوا عن أن اعضاء مجلس الشعب في اللجنة لن يزيدوا علي 40 عضوا. ورغم ان مشاركة النواب في هذا العمل الدستوري لا يؤخذ به في تشكيل مثل هذه اللجان في العالم. لقد كان لابد ان تتم هذه الخطوة قبل أي انتخابات سواء كانت تشريعية أو رئاسية. هنا اصبح معروفا للكافة سر المادة 60 في الاعلان الدستوري والتي جري تعمد ان يكون تشكيلها قابلا للقيل والقال تاركة الامر للاجتهاد الذي انتصر لوجهة نظر الاخوان وليس للشعب كله المنوط به الاستفتاء علي الدستور. هذا الواقع تجسد بصورة واضحة في اقدام مجلس الشعب بأغلبيته الاخوانية علي التعجيل بالتصويت علي تشكيل لجنة الدستور والاستحواذ علي حق احتلال 50٪ من حجم اعضائها. معني هذا ان الغالبية الاخوانية اعتبرت نفسها ممثلة لنصف الشعب اي لأكثر من 40 مليون مواطن ومواطنة وهو أمر لا يتفق مع الحقيقة سواء حاليا أو مستقبلا. ليس من تفسير لهذه الخطوة من جانب مجلس الشعب سوي ان يوضع الجميع امام الامر الواقع بما يدخل في اطار التحدي ولي الذراع وهو ما يعد امرا في غاية الخطورة. السؤال الذي يطرح نفسه بعد كل هذه التطورات ما الذي يريده الاخوان من السيطرة علي لجنة الدستور الذي من المفروض ان يمثل عقدا بين الشعب والدولة؟ من المؤكد ان هذا الاصرار والتواطؤ الذي تم التدبير لخطواته لابد ان يكون له هدف. وبالطبع فان هدف أي مجموعة من البشر مهما كان عددها لا يمكن أن تعكس التوافق الذي يجب أن يؤسس عليه الدستور.