ما أسهل علينا أن نهاجم شعوب وحكومات الدول الأوروبية، ونتهمها بالتعصب ضد المسلمين، وإساءة معاملة مواطنين مسلمين أوروبيين ولدوا، وتعلموا، وعملوا، في أوروبا ويحملون حالياً جنسياتها لا لشيء إلاّ لأن هؤلاء من أصول عربية وآسيوية وأفريقية، ويؤمنون بالإسلام، ويتمسكون بالعادات والتقاليد الإسلامية. أجهزة الإعلام الأوروبية، و أحاديث نواب الشعوب في برلماناتهم.. لا تترك مناسبة إلاّ انتهزتها للنيل من تلك »العادات« و »التقاليد«، خاصة ما يتعلق بأزياء المرأة الإسلامية، بدءاً بالإشارب الحريري الشفاف فوق بعض الشعر.. مروراً علي الحجاب السميك الأسود الذي يخفي كل الشعر، ومعظم الوجه.. وصولاً إلي »البرقع« أو »النقاب« الذي أعلنت الشعوب، والحكومات، والبرلمانات الأوروبية الحرب عليه وعلي من ترتديه في الأماكن العامة، ومعاقبة الأب أو الزوج الذي يرغم ابنته، أو زوجته، علي ارتدائه بالغرامة المالية الكبيرة، والتصاعد بالغرامة إلي أن تصل إلي سحب الجنسية الأوروبية تمهيداً لطرده من القارة كلها! لدي بعض الجاليات الإسلامية الكثير جداً لما تقوله رداً علي »تعصب« الأوروبيين، و »سوء معاملة المسلمين، وحرمان الفتاة والمرأة المسلمة من »حقها« الشرعي والإجتماعي في ارتداء ما يروق لها من ملبس بصرف النظر عن رفض الرأي العام الأوروبي له. وقد نختلف أو نتفق مع ردود أفعال المسلمين الأوروبيين لما يعتبرونه تعصباً ضد جذورهم، وديانتهم، ولون بشرتهم، وتدخلاً ممجوجاً من جانبهم في أدق شئون الطفلة، والفتاة، والمرأة المسلمة وحقها الأوحد في خياراتها في أشكال وألوان وتصميم ثوبها. أقول إننا قد نختلف أو نتفق مع هذا كله.. لكن علينا في الوقت نفسه أن ندقق فيما نقوله، ونقدمه، لهؤلاء »المتعصبين« و»العنصريين«، و»المذعورين« من الدين الإسلامي ويجدون فيه ما يزيد من تعصبهم و عنصريتهم وذعرهم من ديننا وعاداتنا وتقاليدنا وملابسنا. ماذا تتوقع أن يكون رد فعل الأوروبيين عند سماعهم أو قراءتهم الكلمات التالية بلسان أو قلم فتاة فرنسية، مسلمة الديانة، مغربية الأصل: [ إن جسد المرأة المسلمة عورة من مولدها وحتي موتها. إن الإبنة المسلمة لا تزيد في عين أبيها عن كونها خادمة في المنزل، وسجينة غرفتها، ومحافظة علي عذريتها لتقديمها هدية للرجل الذي يختاره أبوها لها]. هذه السطور كتبتها فتاة تدعي:»ليلي« تنتسب لأب مغربي هاجر إلي فرنسا منذ زمن طويل، وبعد أن استقرت حياته في وطنه الثاني الإفرنجي، جاء بزوجته المغربية لتقيم معه ورزقا ب10أولاد وبنت واحدة. الأولاد والبنت »ليلي« عاشوا في بيئة متشددة في تعاليم الدين الإسلامي، وعاداته وتقاليده المتوارثة. الأم كانت مغيبة. فلا كلمة لها في وجود الرجل: رب الأسرة. وكان المتوقع أن تكمل »ليلي« مسيرة أمها في الحياة بنفس الحقوق وذات الواجبات، وهو ما اعترضت عليه الفتاة.. وحاولت أن تختار طريقاً غير الذي سارت فيه أمها وكل الفتيات والسيدات اللاتي عرفتهن »ليلي« أو سمعت عنهن من قبل. »ليلي« ولدت في فرنسا. تعلمت في مدارسها. صادقت زميلات طفولتها وابتعدت عن الزملاء الصبيان بأمر صريح من أبيها، وتكرار من أخوتها، وتذكير صامت من أمها. وكان الأب والأخوة يتمنون أن تلتحق ابنتهم بمدرسة مخصصة للفتيات وحدهن، لكن المدارس الحكومية المجانية في فرنسا لا تفرق، ولا تفصل، بين الفتيات والفتيان. وفكّر الأب آنذاك في الإبقاء علي الطفلة حبيسة البيت، ولا مانع أن يتولي أخوتها التدريس لها في أوقات فراغهم.. لكن حرمان الطفل أو الطفلة من التعليم الإلزامي الإجباري يمثل جريمة يعاقب عليها القانون الفرنسي وهو ما أخاف الأب وأجبره رغماً عنه علي »التنازل« عن »حقه المطلق« في الإبقاء علي أمية طفلته، وحمايتها كما يتمني من الأخطار التي تتربص بها داخل المدارس المختلطة. ومرت سنوات .. كبرت بعدها الطفلة وأصبحت فتاة تصوّرت أنها قادرة علي أن تطالب بحقها البسيط في أن تعيش كما تعيش معظم زميلاتها في المدارس، وأن تتحدث كمثيلاتها اللاتي تراهن أحياناً علي شاشة التليفزيون، وتسمعهن يتحدثن مع الآباء والأخوة بلا خوف، ولا تخويف. القصة المثيرة جداً.. لها بقية.