أناس تركوا بلادهم منذ عقود أو قرون، ووجدوا إقامة طيبة في مجتمعات أخري تنطق بلغات مختلفة وتؤمن بأديان، ومذاهب، ومعتقدات، عديدة. خلال هذه الفترات الطويلة عاش المهاجرون في بلاد المهجر كما أرادوا وحلموا وتمنوا. فأصحاب البلاد رحبوا بهم، وبسواعدهم، وبخبراتهم في كل التخصصات. الذين افتقروا لهذه الصفات سارعوا باكتسابها في معاهد التدريب، أو تعلمها في المدارس والجامعات. المقصود هنا.. ملايين المسلمين الذين تركوا بلادهم في المغرب والمشرق: العربيين، وفي بعض دول آسيا وهاجروا إلي أوروبا، حيث أقاموا، وتعلموا، وعملوا أجدادا، وآباء، وأحفادا وأصبحوا يمثلون نسبة مؤثرة في تعداد شعوب معظم دول أوروبا الغربية، الغالبية عاشت آمنة سالمة في مجتمعاتها الجديدة. منهم من اندمجوا فيها، والتحدث بلغاتها، واكتساب ما يختارونه من عادات وتقاليد. ومنهم من وضع حدودا بينه وبين هذا الاندماج الذي يراه متعارضا مع دينه وشريعته وعادات وتقاليد الشعب الذي ينتسب أجداده وآباؤه إليه. خلال القرن الماضي علي سبيل المثال كان التعايش السلمي، الايجابي، يميز العلاقة بين الأصليين وبين المهاجرين علي اختلاف ألوانهم وجذورهم ولغاتهم ومعتقداتهم. كل جانب يحترم حقوق وواجبات الآخر.. خاصة بعد أن حصل الأخير وذريته من بعده علي هوية، وجنسية، بلد الإقامة وأصبح تلقائيا علي قدم المساواة مع المواطنين الأصليين الذين زاملهم في المدارس والمعاهد والجامعات، وعمل إلي جانبهم في كل المهن والمواقع الإنتاجية التي اختار لنفسه ما يراه الأفضل والأجدي. عاش المهاجرون أحرارا في مجتمعاتهم الجديدة، طبقا للقوانين المطبقة التي لا تفرق بالقطع بين مواطنين أصليين ومواطنين مستجدين. في الماضي القريب.. لم نكن نسمع عن »الانعزالية الشرعية« التي فرضها بعض الدعاة السلفيين الذين سعوا إلي التمتع بحريات أوروبا الغربية، وكانوا محرومين منها في بلادهم الفارين منها! وكان من حق هؤلاء السلفيين أن يشرفوا علي المساجد، ويُؤموا المصلين في الشوارع والميادين، وأن يفتوا في أي شيء وكل شيء، مادامت فتاواهم تلقي سمعاً وطاعة من بعض المسلمين.. أو معظمهم. لم تعترض المجتمعات والسلطات الأوروبية علي إطلاق البعض لحاهم لتنزل إلي مطلع بطونهم، ولا علي ارتداء آخرين رجالا ونساء ملابس غريبة بالنسبة للأوروبيين قيل لهم: إنها »الأزياء الإسلامية المفروضة علي كل مسلم وكل مسلمة«، رغم غرابة هذه الأزياء بالنسبة للعين الأوروبية إلا أن أحداً منهم لم ينفر من رؤيتها، أو يتخوف من مطلقيها ومرتديها، احتراماً من جانبهم آنذاك لعادات وتقاليد الآخر في ممارسة شعائر دينه، ومعتقداته، وحضارة وثقافة أصوله وجذوره. في سنوات ما مضي.. كان من العادي أن يقيم أوروبيون في شقق عقارات جيرانهم فيها: من أصحاب اللحي الطويلة، والملابس الغريبة، وبصحبتهم مخلوقات، يصعب لأول وهلة تحديد معالم رجولتها أو مظاهر أنوثتها، تحت الخيمة السوداء المسدلة من قمة الرأس إلي ما تحت النعل! كان من الطبيعي في القرن الماضي أن يختار صاحب العمل موظفيه وعماله ممن تتوافر لديهم المؤهلات والخبرات التي يحددها. فلم يكن يخطر علي البال وقتذاك أن يأتي اليوم الذي يعلن فيه صاحب عمل عن طلب موظفين يشترط فيهم حمل هوية الجذور الأوروبية، أو الآسيوية، قبل النظر في المؤهلات العلمية أو الخبرات العملية! أو يحظر آخر تشغيل فتاة أو امرأة محجبة، أو رجل بلحية أو بملابس باكستانية! هذا كله وغيره الكثير من مظاهر وحقائق المساواة الكاملة بين المواطنين بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الملبس.. تكاد تكون قد اندثرت منذ نهايات القرن الماضي، ومع بداية القرن الحالي خاصة بعد هجمات الإرهاب الإجرامي في الحادي عشر من سبتمبر عام 1002، تحت رعاية وعناية أسامة بن لادن مؤسس »تنظيم القاعدة لعموم الاغتيالات العشوائية، وإبادة الشعوب الوثنية«. الجرائم الإرهابية التي قامت بها جماعات وتنظيمات سلفية، جاهلية، أساءت كثيراً إلي الإسلام، بصفة عامة، وللمسلمين المقيمين خارج ديارهم.. بصفة خاصة. والأمثلة علي ذلك كثيرة ومتعددة.. نتابعها غداً.