رحبت حكومات وشعوب أوروبا بالهجرة إليها، كما أغدقت علي الملايين ممن أقاموا لفترات طويلة في خدمة اقتصادياتها بجنسياتها المتعددة قبل أن تتقلص حالياً في الجنسية الأوروربية الموحدة. بذل الإصلاحيون، العلمانيون في الدول الغربية جهوداً ضخمة من أجل تشجيع ملايين المواطنين من أصول أجنبية:عربية، وأفريقية، وآسيوية علي الإندماج، والذوبان مع الشعوب الغربية التي شاركتهم في حمل جنسياتها، ووفرت لهم كل الحقوق ، وتوقعت قيامهم بأداء واجباتهم ك: »مواطنين، وطنيين، سبق أن أقسموا بأغلظ الايمان علي الوفاء والولاء لأوطانهم الجديدة، والدفاع بالروح والدم عن استقلالها، وسيادتها علي أراضيها، ضد كل من يعاديها«. لم يكن الإندماج في المجتمع الجديد صعباً، ولا مرفوضاً من المواطنين الجدد.. خاصة من الجيل والأجيال التالية الذين ولدوا في أوروبا، وتنشأوا في مجتمعها، ودرسوا في مدارسها وجامعاتها وعولجوا في مستشفياتها، وحصلوا علي وظائف تتناسب مع مؤهلاتهم، وحصل غيرهم ممن فشلوا في إيجاد وظائف علي المعونات الإجتماعية التي هي حق من حقوق المواطنة وإلي أن تتوافر له أو لها فرصة عمل. خلال العقود الأولي من القرن الماضي كنت تلتقي في أوروبا مع زملاء دراسة، أو جيران إقامة.. يحملون الجنسية الأوروبية لكنهم في الوقت نفسه ينحدرون من أصول عربية: مشرقية كانت، أو مغربية. وكان من الصعب أن تفرّق بين هؤلاء الشباب وبين غيرهم من أصحاب الأصول الأوروبية سواء في أحاديثهم، أو هواياتهم، أو أفكارهم في مختلف القضايا المطروحة. الشيء الوحيد المختلف نلحظه من لون البشرة، وملامح الوجه، والنطق باللغة العربية إذا كان يتقنها، أو يتحدثها لكنه لا يقرأها، أو يفهمها بشرط أن يسمعها بلكنة البلد العربي الذي ينتسب إليه الآباء والأجداد من قبله! في تلك الأيام البعيدة.. كانت المناقشات مفتوحة، متاحة، خلال جلسات التعارف مع الزملاء والأصدقاء من شباب الأوروبيين المنحدرين من أصول عربية وأفريقية وآسيوية. حقيقة أنه كان نادراً آنذاك أن يُطرح حوار عن الدين أو العقيدة أي دين، وأية عقيدة لإيمان الجميع بأن :الدين لله، والعقيدة بين الإنسان وربه.. ولا ثالث معهما. وإذا توطدت زمالتك وصداقتك مع شاب أوروبي/ عربي، واستضافك في منزل أسرته.. ستسعدك بالطبع حرارة الترحيب بك، علي الطريقة العربية الحاتمية، من جميع أفراد الأسرة سواء من الجيل الأول الذي يجاملك بتبادل بعض الكلمات والجمل باللغة العربية، أو من الجيل التالي الذي لا يعرف من العربية إلاّ اسمها فقط! وكثيراً ما يثير الأب أو الأم مشكلة عدم إجادة الأبناء والبنات للغة العربية، والشكوي من صعوبة العثور علي أساتذة يعلمونهم اللغة والدين. وقتذاك.. لم يكن هناك مدارس عربية في أوروبا، وإن وجدت فليس في كل مدينة.. أو بعيدة جداً عمن يحتاج التردد عليها. بضع سفارات أو قنصليات عربية كانت تساهم مع مكاتب الجامعة العربية.. علي سبيل المثال في تخصيص غرفة أو غرفتين لتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي لمن يرغب من أبناء المقيمين الذين لا يعرفون شيئاً يُذكر أو يُنسب للغة الآباء والأجداد! ومع استمرار هذه المشكلة.. جاء وقت اهتمت فيه حكومات عربية بإنشاء أماكن عبادة إسلامية في بعض العواصم والمدن الأوروبية ذات الكثافة في نسبة سكانها من المسلمين. ولم تعترض السلطات الأوروبية، ولا شعوبها، علي طلبات إنشاء مساجد إسلامية هنا أو هناك. فالعلمانية لا تمنح حقاً لجماعة وتحرمه علي أخري.. وإنما يكون الحق لكل أصحابه، ولكل من يطالب به. ومازلنا نتذكر من الزمان البعيد كيف بدأ التسابق والتنافس بين اثنين أو ثلاث من الدول العربية علي أيها الأكثر حظاً في إنشاء أضخم المساجد، وأعلي المآذن، في هذه العاصمة الأوروبية أو تلك. تزامن ذلك مع نشوب الحرب المعلنة بين جماعة »الإخوان المسلمين« من جانب والحكومة المصرية من جانب آخر بعد فشل الإخوان في تنفيذ مخططهم الإجرامي واغتيال الرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر أثناء إلقاء خطابه في ميدان المنشية بالإسكندرية! .. وأواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]