في دروس التاريخ عظة لمن كان التاريخ يكفيه واعظا، فقد قام الرئيس السادات بتعديل الدستور ليفتح لنفسه مددا رئاسية إضافية، ثم قتل السادات قبل ان ينتفع من هذا التعديل، وقبل ان تنتهي مدته الثانية!! أما الرئيس السابق مبارك فقد ألقي في وجهنا بقضية التوريث لينتفع منها ومعه بعض فئات المجتمع بينما تحولت هذه القضية الي سبب رئيسي أسقط نظامه!! وذلك أراه درسا أهديه للفئات التي انتفعت من هذا التوريث. فكفاكم ماحصلتم عليه في غفلة من انفلات التاريخ واحذركم من ان تدافعوا عن هذه المكاسب لانها باطل لايمكن ان يتأسس عليها أي مباديء دستورية. علي مدي اكثر من عشر سنوات والرئيس المخلوع وحرمه وولده جمال وهم يحلمون بتوريث الولد حكم مصر.. حلم لحرم الرئيس صدقه الولد واقتنع به المخلوع وعملت علي تنفيذه كل أجهزة الدولة بل والحزب غير الوطني المنحل وتعداده ثلاثة ملايين عضو كما كانت تدعي قيادات الحزب كذبا! الأمين علي تحقيق هذا الحلم هو ليس محبوبا وغير عادل علي الإطلاق وزير داخلية النظام الفاسد ورؤساء وزارات ووزراء واساتذة جامعات وادباء ومفكرون كبار وصحفيون وكتاب بالاجرة ورجال أعمال دافعين ومنتفعين، فنانون باعوا شهرتهم وتاريخهم في سبيل تمرير التوريث والتقرب من الوريث، ونجوم رياضة كانوا يتراقصون امام الولد ووالده ووالدته وهم يهتفون بحياته وجرأته وبطولاته الوهمية وشجاعته المنقطعة النظير والتي لم نرها أو نسمع عنها.. وخبرته الاقتصادية الفذة التي تفوق ايرهارد ابو الاقتصاد، ودراساته العسكرية في الخارج!! نواب في البرلمان احتلوا مقاعدهم بالتزوير، ووزراء ورؤساؤهم كانوا يقفون له انتباه لكي ينالوا شرف السلام فقط، ومنهم من كانوا ينادونه من الصحفيين بالفم المليان دون استحياء ياريس.. ياريس! برامج تليفزيونية وصفحات صحف ومجلات امتلأت بالحوارات والصور والتصريحات التي تخرج عن نطاق موقعه الحزبي وأغلفة مجلات وكتب كلها تشيد بالوريث أمين لجنة السياسات بالحزب المنحل، وشركات عالمية للعلاقات العامة لتحسين وتجميل صورة الوريث! إلا أن كل ذلك لم يستطع أن يجعل الولد مقبولا جماهيريا من الشعب، فالقبول نعمة من الله يسبغها علي من يشاء من عباده ويحرم منها القليل من البشر كل هؤلاء فشلوا في تمكين الولد من وراثة عرش مصر.. حكم مصر! دبرت خطط وحيكت مؤامرات يعجز الشيطان عن رسمها وحبكها أو تنفيذها، وارتكبت كل الخطايا والأخطاء، وأثري رجال اعمال ثراء فاحشا غير مبرر علي الإطلاق وزورت إرادة الشعب وتفشي الفساد في كل موقع علي أرض المحروسة، وفعل كل مستفيد ما يشاء تحت غطاء تمرير عملية التوريث، ومع كل ذلك فشل كل هؤلاء وأولئك المتآمرين في تحقيق الحلم! وفي مناخ التوريث الذي أشاعه النظام السابق انتشرت في أجهزة الدولة كل اشكال وأساليب التوريث الكثيرة والمتعددة بدأت في القضاء ليصبح تعيين الأبناء مقننا وإلزاميا فلكل قاض ان يعين ابنه، في النيابة العامة، بشرط حصوله علي ليسانس الحقوق. وهنا مكمن الخطورة، لأن العدل أساس الملك وبه ينتظم قوام المجتمع، وحين يتم إهدار مبدأ دستوري مهم وهو مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين لغاية خدمة القضاء أو مجاملته بتعبير صريح فإن الأمر يستدعي منا ان نتوقف لأن القاضي ليس حرفيا ينتج سلعة حتي يكون لنا الخيار في قبولها أو رفضها، وإنما هو يصدر حكما ويؤسس قواعد علي هديها يسير المجتمع، فإن اختل ميزان العدل في يده فإن قواعد كثيرة سوف تختل في المجتمع، تلك قاعدة ينبغي ان نعيد النظر فيها، ووأعتقد ان مشروع قانون السلطة القضائية الذي يجري إعداده يضع ضوابط تحقق تكافؤ الفرص بين الجميع وبين أبناء القضاة. ثم هناك توريث آخر شاع وزاع بين أساتذة الجامعات الذي أصبح من حقهم تعيين أبنائهم في مواقع التدريس في الجامعات وذلك لعب خطر لأنه يمس قواعد التعليم والتربية والثقافة في المجتمع، وحينما يجتاح التوريث مؤسسة القضاء ومؤسسة الجامعة فإن حياد القضاء يصبح موضع تساؤل ومستوي التعليم الجامعي يصبح كذلك موضع استفسار والبرلمان به صورة واضحة لنجاح عملية التوريث، ليس في النواب انفسهم الذين يتوارثون مقعد البرلمان لا، لأنهم يأتون بالانتخاب! ولكن في أبناء النواب وعائلاتهم الذين امتلأت بهم مكاتب ولجان البرلمان، فالنائب يسعي لكي يعين ابنه في وظيفة قريبة من الوزراء وكبار المسئولين حتي يظل للعائلة مكانة في البرلمان او احدي الوظائف المرموقة خارج البرلمان تخدم علي النائب الاب حتي لو خرج من البرلمان يكون لهم موضع قدم فيه او يعين النائب احد اقاربه ان لم يكن الابن وزوجته ستكون الابنة وزوجها او احد الاهل والمعارف المقربون حتي امتلأ البرلمان باعداد من الموظفين تفوق العدد المطلوب اضعافا واضعافا حتي انهم لا يجدون المكاتب التي تستوعب هذه الاعداد او عملا حقيقيا، فيتفرغون لتوقيع طلبات التعيين بالوزارات والهيئات والحصول علي تراخيص المخابز ومستودعات البوتاجاز ومحطات البنزين وقضاء طلبات التنقل وخلافه! والغريب ان كل مسئول يقترب من نهاية مدة خدمته في الوظيفة الرئاسية او القيادية فانه يصاب بالافراط في توقيع العديد من طلبات التعيين ومش مهم تكون هذه التعيينات ضرورية ام غير ضرورية المهم ان يحسن صورته قبل ان تنتهي مدة خدمته وعشان العاملين يقولوا ان فلان بك راجل كبير وخير وايده فرطة اما الرئيس الجديد فيأتي وقد تحمل اعدادا واعباء ليس لها اي مبرر ولا عمل وتكون سببا في اعاقة العمل ولا يستطيع اضافة عامل جديد وتكون الصورة عنه انه ايديه ناشفة ووشه وحش. ان كل هذا يحدث مش مهم الهيئة او الشركة تروح في ستين داهية او تخرب او اللي جاي يشيل، وهذه مشكلة تعاني منها كل اجهزة الدولة.. هل من حل؟ فسر علي ذلك ما يحدث في البنوك والهيئات والمؤسسات والوزارات التي تعطي مرتبات مميزة وعليها العين فحدث ولا حرج فالتوريث فيها علي ودنه ويتاح كثير وممكن يكون هناك وريث واثنان وكمان، والله ثلاثة مع ضم زوجة الابن او زوج الابنة!! كل هذا يعني ان ثورتنا 25 يناير قد نجحت في استئصال الوريث الاكبر ولكن مناخ التوريث الذي اشاعته تلك العائلة الحاكمة السابقة لايزال ساريا ولا يزال قائمة يخرب في بنيتنا الوطنية ويعبث بمبدأ مهم من المبادئ الدستورية ويعيث عبثا غير حميم بقضية المواطنة. والخطورة تأتي من ان هذا المبدأ المنحرف الذي وضعه حاكم ونظام فاسد قد انتفع منه مئات الالوف الذين سيدافعون بشراسة عن هذا الحق المكتسب مما يعني ان استئصال مناخ التوريث يجب ان يكون شاملا وجامعا ومانعا لكي نستعيد ما نصبو اليه من تحقيق المساواة بين المواطنين ليكون التفوق من حظ او من حق صاحب الموهبة وصاحب الاجتهاد. تلك قضية لست اهديها ولكني ادفعها دفعا في مواجهة اعضاء البرلمان المصري الذين اصبح واجبا عليهم ان يستأصلوا هذا الفساد الذي يتناقض مع قيمنا الوطنية. البرلمانيون الذين حصلوا علي اصوات من فئات شعبية بسيطة اعتقدوا فيهم انهم سيملأون الدنيا عدلا ونورا بعد ان ملأها النظام السابق ظلما وجورا، فان اهمل هؤلاء البرلمانيون التصدي لتلك القضية فإنهم يرتكبون خطأ فادحا لان تلك الامتيازات سوف يصفيها الشعب ان اجلا او عاجلا لانها واجب اساسي من واجبات الثورة ومهمة من مهامها.