قال فولتير : الرجال ثلاثة أنواع : رجل يدعي انه علي حق ، وهو عنيد ، ورجل يعترف بأنه أخطأ وهو العاقل ، ورجل يؤكد انه علي خطأ حين يكون علي صواب وهذا هو المتزوج. والرجل العنيد يشعر انه فوق مستوي البشر ، ويستطيع في حالة توليه أي وظيفة قيادية أو منصب سياسي ان يدمر الكيان الذي يقوده ، ويجبر من يعمل معه علي السجود لقراراته والركوع لسياساته ، والسير في الاتجاه المعاكس لمصلحة الوطن لانه لايملك الحكمة والخبرة والمؤهلات العلمية والعملية ، وفي الوقت نفسه لايعترف بالخطأ وسوء الادارة والفساد الذي يضرب المرفق الذي يديره ولايملك الشجاعة الكافية التي تمكنه من قول كلمة الحق وتجميع الحروف المستحيلة " انا مذنب " . الاعتراف بالذنب والاقرار بالجرائم الخبيثة التي يرتكبها الانسان في حياته الخاصة ووظيفته العامة وتقديم الاعتذار والتماس الصفح والعفو " فضيلة " خاصة اذا كان هذا الاعتراف وليد ارادة وجدانية حرة مقرونة بالتوبة الخالصة ، والله جل ذكره يقول في كتابه الحكيم (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر : 53)] وقال رسول الله [: ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتي تطلع الشمس من مغربها ) . والمناخ العام في السجون المصرية يتيح لسجناء النظام السابق الشروع في اتخاذ اجراءات التوبة والندم علي ما مضي والعزم علي ترك العود الي ماقع منهم خاصة وان اعمارهم قد وصلت الي المحطة قبل الاخيرة ولم يعد الوقت يسمح بالتنصل من المسئولية وارتداء ثوب البراءة والادعاء بانهم ضحية من يعلوهم والظروف والاوضاع التي لايد لهم فيها ، ولذلك حرص قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 علي أن يكون لكل ليمان أو سجن عمومي واعظ أو أكثر لترغيب المسجونين في الفضيلة وحثهم علي أداء الفرائض الدينية ، ويجب أن يكون الواعظ ملما بالنظم القائمة بالسجون بما يمكنه من أداء رسالته علي الوجه الأكمل والمشاركة الروحية والفكرية مع إدارة السجن في معالجة نفوس النزلاء . وفي ضوء ذلك يقوم قطاع السجون باتخاذ الاجراءات الرسمية بالتنسيق بين السجون ومديريات الأوقاف المختصة بالمحافظات والأزهر الشريف لإنتداب الأئمة والمشايخ الذين يملكون العلم وثقافة الاقناع والقدرة علي التأثير في الاخرين لإلقاء الدروس الدينية وإقامة شعائر الصلاة أيام الجمع والأعياد الدينية . وبالحق أقول انني أتمني أن يصاب نزلاء سجن طرة بمرض الاعتراف الصريح بالجرائم التي ارتكبوها ، والاقرار بالاخطاء العمدية وغير العمدية التي وقعت منهم ونتج عنها اهدار كرامة المواطنين وضياع اموالهم وهتك عرضهم وطمس ملامح مستقبلهم ومخاطبة الرأي العام ومطالبته بالعفو واعلان التوبة من خلال رسالة الي الشعب تحمل ادق تفاصيل جرائمهم والارباح التي حصلوا عليها نتيجة العبث باقتصاد ومستقبل مصر ، وتقديم القرابين التي تدلل علي صدق حديثهم والتنازل عن الاموال غير المشروعة التي حصلوا عليها والتي لاتتناسب مع وضائفهم العامة والخاصة التي كانوا يشغلونها أسوة بالمسلك الذي سلكته بعض دول العالم التي سبقتنا في هذا المجال .