محىى عبدالغفار القرية المصرية زمان.. كانت مثالاً للتسامح والود والرحمة.. فالكبير يعطف علي الصغير.. والصغير يحترم الكبير.. تجدهم قلباً واحداً في السراء والضراء يعرفون بعضهم البعض.. وإذا دخل غريب القرية.. يعرفونه فوراً ومن أين أتي؟ ولماذا اختار هذه القرية للإقامة فيها؟ لذلك غني الفنان محمد عبدالوهاب قديماً للقرية وللفلاح ولعل أغنيته الشهيرة »محلاها عيشة الفلاح« خير دليل علي ذلك. أما الآن فقد تغير الوضع وأصبحت عيشة الفلاح مُرَّة لما يعانيه من تهميش وعدم اهتمام من جانب الدولة.. وربنا يرحم أيام عبدالناصر. أصبح الفلاح محاصراً بين بنك الائتمان الزراعي الذي يتحكم في السماد اللازم لزراعة أرضه وبيعه بأعلي الأسعار وشراء المحاصيل بأبخس الأثمان.. وبين الحمي القلاعية التي تقضي علي ماشيته التي هي رأسماله.... وهو حائر.. ماذا يفعل؟ كان القطن المصري يسمي الذهب الأبيض.. فقد كان موسم الحصاد هو عيدا للفلاح.. من خلاله يستطيع أن يوفر الأموال لزواج أولاده أو لتجديد منزله، أو لحج بيت الله.. ولكن للأسف تحول الذهب الأبيض إلي ذهب فالصو بعد أن رفعت الدولة يدها عن الفلاح وتركته عرضة للتقلبات العالمية.. ولم تعد تهتم بحماية القطن المصري.. وبالتالي لم يستطع المنافسة في الأسواق العالمية.. واصبحت زراعته تمثل عبئا علي الفلاح فاتجه إلي زراعة الفراولة والمحاصيل الاستهلاكية بمباركة من الدولة.. ومثلما فعلت الدولة مع الفلاح في زراعة القطن منذ فترة تفعله الآن في زراعة الأرز المحصول الاستراتيجي والرئيسي بالنسبة للفلاح في غياب رغيف الخبز.. بحجة توفير المياه للمنتجعات وملاعب الجولف التي انتشرت في العصر البائد ليستفيد منها الكبار.. أما الصغار.. فعليهم رحمة الله. ومن أجل زيادة حصار الفلاح.. انتشرت الفضائيات وأصبح من السهل أن يسهر الفلاح أمام شاشة التليفزيون بدلاً من السهر من أجل زراعة أرضه والاهتمام بها. بعد كل هذه التغيرات التي هبت علي القرية.. تغير الوضع الآن.. وغابت ثقافة التسامح والأمن والأمان عن القرية.. وانتشرت السرقات والسطو علي المنازل مثلما يحدث في العاصمة.. ولعل ما حدث في قريتي ميت حمل - بلبيس - شرقية.. من خطف الطفلة صفاء صلاح »9 سنوات« من أمام كُتاب القرية التي تحفظ فيه القرآن والقاء جثتها في الترعة ليعثروا عليها بعد عشرة أيام من أجل »حَلق« ثمنه لا يتعدي 003 جنيه ولم يتم القبض علي الجناه حتي الآن.. دليل علي أن القرية تغيرت من لغة التسامح إلي لغة الخطف والقتل والسرقة.. وهل روح طفلة بريئة تساوي القتل مقابل 003 جنيه.. صفاء طفلة بريئة لن يهدأ بال القرية كلها إلا بعد العثور علي القاتل.. للقصاص منه علنا.. فبأي ذنب قتلت؟! وما تهمتها؟ إنها في عمر الزهور لا تعرف من أمور الدنيا شيئا.. تحفظ بعض آيات القرآن.. إنه الإجرام الذي اقتحم القرية هذا الزمان.. زمان الانفلات الأخلاقي والانفلات الأمني.. ولن يردعه إلا حبل المشنقة بدلاً من ترك كل شخص يأخذ حقه بيده طالما غاب القانون.. وغابت الدولة. قبل الختام: أسوأ ما يواجهه الإنسان في منزله.. انقطاع المياه.. فعندما تستيقظ لصلاة الفجر أو لصلاة الجمعة وتجد المياه مقطوعة.. ويستمر هذا حتي نهاية اليوم وهو يوم الإجازة الذي تتجمع فيه الاسرة.. وبدلاً من الانشغال بأمور الدنيا.. كان الانشغال بتوفير قطرة مياه من أجل استمرار الحياة.. يا مرفق المياه الرحمة.. طالما تأخذ حقك بالكامل أعطني حقي من المياه بالكامل لأن زمن الجباية انتهي!!