شمس الثقافة الإسلامية، منذ جاء الإسلام، ونزل القرآن الكريم تبيانا لكل شيء، وهدي للمتقين وأنزله الله تعالي علي رسوله »صلي الله عليه وسلم« ليبين للناس ما نزل إليهم، فشرح معانيه، ووضح مراميه، وفصل مجمله، وقيد مطلقه، وخصص عامه، وشرح احكامه، فهدي الناس من ضلالة، وعلمهم من جهالة، وأخرجهم من الظلمات إلي النور. فكان في القرآن والسُنة الامان من الفتن ما ظهر منها وما بطن، والامان من الضلال والحيرة، كما قال رسول الله »صلي الله عليه وسلم«: »تركت فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي«. وفي رحاب الكتاب والسُنة النبوية، نشأت العلوم الإسلامية والعربية، وتكونت الثقافة الإسلامية، التي غرست في نفوس الناس ما يجب عليهم ان يتحلوا به من الفضائل، وما يجب عليهم ان يتخلوا عنه من الرذائل. وآمن الناس بالله ربا وبالإسلام دينا، وبسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا. ونشأت عبر عصور الإسلام، المدارس والمعاهد، والاكاديميات والجامعات، ودور البحث العلمي، وكان للثقافة الإسلامية التي تكونت في رحاب القرآن والسُنة وفي ظلال العلوم التي نشأت معها، كان للثقافة الإسلامية أهميتها ومنزلتها في اضاءة حياة الناس بنور الايمان، وفي توضيح المعالم عقيدة وعبادة واخلاقا، وفجرت هذه الثقافة ينابيع الحكمة واعطت الأمة مفاتيح الحضارة، منذ أول وهلة نزل القرآن الكريم امرا بالقراءة والتعليم ومبينا أدوات ذلك كالقلم قال الله سبحانه وتعالي: »اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم«. وكان للثقافة الإسلامية، منزلتها العالية، ومكانتها السامية، حيث أقامت -بهدي القرآن والسُنة- خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتؤمن بالله، كما قال الله سبحانه: »كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله«. فأقامت حضارة عظمي من أرقي الحضارات في العالم قبس منها الغرب ودول العالم واخذت الترجمة طريقها لنقل هذه الثقافة وتلك الحضارة إلي العالم بأسره. ولأن حضارة الإسلام الباهرة قامت علي هذه الثقافة الإسلامية، كانت حضارة بناءة ومعمرة وليست كغيرها مدمرة، لانها حضارة قامت علي ثقافة إسلامية، تحض علي الخير وتأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتصون حقوق الإنسان، وتنادي بالعدالة والحق والأمانة وتنشر السلام والامان، والازدهار والاطمئنان وتحمي حقوق الناس علي اختلاف عقائدهم وأشكالهم وأجناسهم، لانهم يرجعون إلي أصل واحد وأب واحد وأم واحدة كما قال الله تعالي: »يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم«. ومن آثار هذه الثقافة الإسلامية انها نشرت الأمانة وقاومت الغش والخيانة، وأمرت بالحق ونهت عن الباطل، وأقامت موازين العدالة في الأرض وناهضت الظلم فكان المسلمون الأوائل قادة العالم ورواده، ونشروا الإسلام في ربوع الدنيا بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمنهاج الرباني الذي أنزله رب العزة علي رسوله »صلي الله عليه وسلم«: »ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين«. ومن أجل ذلك انتشر الإسلام في العالم ودخل الناس في دين الله أفواجا. بيد ان أعداء الإسلام الذين غاظهم انتشار هذا الدين علي هذا النحو، وقيام حضارته العادلة قاموا يكيدون للإسلام ويعملون علي مقاومة أصوله واتباعه. فواجهت الثقافة الإسلامية تحديات ظالمة وأثيمة من أعداء الدين والحق. فصوبوا سهامهم إلي القرآن الكريم لأنهم رأوا فيه الأساس الذي أقام هذه الأمة وأنشأ تلك الحضارة العادلة والناجحة حتي ان بعضهم أعلن في احد المؤتمرات انه لاقرار لهم ما دام هذا المصحف في أيدي المسلمين فصوبوا سهامهم نحوه، وحاولوا -زورا وبهتانا- أن ينالوا منه، ولكنهم لم يفلحوا لأن الله سبحانه هو الذي تكفل بحفظ القرآن الكريم حيث قال جل شأنه: »انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون« فلم يجدوا بدا من النيل منه، ولم يستطيعوا تغيير كلمة واحدة فيه بل ولا تغيير حرف أو حركة من حركات ضبط الكلمات لأن المسلمين حفظوه في السطور وحفظوه في الصدور، وشرحوه وطبقوه حتي كان المسلمون الأوائل إذا نزلت عليهم عشر آيات لا يتجاوزونها حتي يعلموا ما فيها من العلم وحتي يطبقوا ما فيها من العمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. ولما لم يجد أعداء الإسلام طريقهم لينالوا من القرآن وجهوا سهامهم للسنة النبوية الشريفة علي صاحبها أفضل الصلاة واتم السلام. فقيض الله لسنة نبيه رجالا أمناء نقشوها علي صفحات قلوبهم الأمينة وصحفهم الواعية وحملوها عبر الأجيال في صدورهم وكتبهم »يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين«. ولما لم يستطيعوا النيل من القرآن ولا من السنة وجهوا سهامهم للنيل من الصحابة والتابعين والعلماء أجمعين فراحوا ينالون من الصحابة بصفة خاصة، لانهم الذين كانوا همزة الوصل بين عهد الوحي وما بعد ذلك، ومثلوا الجسر الذي عبر الوحي الالهي كتابا وسنة الاجيال إلي من بعدهم وهم الذين اخذوا عن رسول الله »صلي الله عليه وسلم« الوحي ونقلوا الكتاب والسنة إلي من بعدهم، فلما كان الصحابة هم نقلة الوحي من عهد النبوة إلي من بعدهم وهم الذين عاصروا رسول الله »صلي الله عليه وسلم« وعايشوا الوحي كان القدح بهم وهجوم أعداء الإسلام عليهم أكثر من غيرهم وكان أكثر الصحابة رواية للحديث أكثرهم تعرضا للنيل منه والتجريح مثل أبي هريرة »رضي الله عنه« وغيره. وكما صان الله تعالي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حيث تكفل بحفظ القرآن، وقيض للسنة النبوية من حفظوها ونشروها ودافعوا عنها، فإن الرسول »صلي الله عليه وسلم« نهي عن تجريح الصحابة أو سبهم أو النيل منهم حيث قال »صلي الله عليه وسلم«: »لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه«. وقال »صلي الله عليه وسلم«: »الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله ومن آذي الله فيوشك ان يأخذه«. ووضح القرآن الكريم عدالة الصحابة حيث قال الله تعالي: »والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه«.