»في ذكري رحيل أبي الكاتب والمفكر محمد زكي عبد القادر تعودت ان استعيد قراءة رسائله الي وعيناي تبللهما الدموع« الاثنين: عندما تقترب ذكري رحيل آبي الكاتب والمفكر الراحل محمد زكي عبدالقادر في اليوم السابع من مارس، تزدحم في نفسي ذكريات وآلام وآمال تجمع العمر كله، ما مضي منه، وما لا يزال باقيا، وما في الأعماق يطفو علي السطح كأنه كتاب مفتوح، وكثيرا ما ساءلت نفسي لماذا في هذا الوقت بالذات يكون هذا الاسترجاع للذكريات حلوها ومرها، لماذا لا يكون في وقت آخر، لأنه لابد من وقفة يعيش فيها الانسان مع الماضي، لابد من لمحة يجتمع فيها الماضي والحاضر والمستقبل. اعتدت في ذكري رحيل أبي أن أعبث في أوراقه القديمة التي كتبها بقلمه وبخط يده وأقلب فيها، وأبحث عن أعز الكلمات وأقربها الي قلبي، وعثرت علي المظروف الكبير الذي يحتوي علي الرسائل التي كان يبعث بها الي وأنا ما أزال طالبا في السنة الأولي بالمرحلة الثانوية بمدرسة الزقازيق وكنت حينذاك أقيم في قريتنا الصغيرة فرسيس بمحافظة الشرقية تحت رعاية جدي رحمه الله، وكان أبي مشغولا بالعمل في الصحافة والسياسة ويعيش وحيدا في القاهرة بعد ان ماتت أمي وهي في ريعان شبابها بالدرن، ولم يكن لهذا المرض اللعين علاج في ذاك الوقت، وظلت أمي راقدة بمصحة الصدر في حلوان حيث الجو الجاف وطبقا لما أوصي به الأطباء حتي لاقت ربها وهي في الثانية والعشرين من عمرها. وأخذت أقرا في إحدي رسائله وعيناي مبللتان بالدموع، فقد كانت كلمات أبي المملوءة بالحب والحنان تنفذ الي أعماق قلبي وتثير أشجاني ودموعي. وهذا ما كتبه في رسالته: إبني العزيز.. هذه الرسائل التي أبعث بها اليك بين الحين والحين، لست أرجو فيها أن أضايقك أو أرسم لك دائرة لا تتعداها، أو أضع لك خطة لابد ان تسير عليها فقد تكون الخطة التي يوحي بها إليك عقلك خيراً مما أرسم لك ولكن خذها كأنها خواطر أو خلجات نفس تحبك أعمق الحب قد تفيدك إذا تأملتها ولكنني لا أفرض عليك ما فيها من رأي أو توجيه فلست أحب أن تكون صدي لي ولا أن تكون ظلا، لا أحب أن تخرج صورة مني ولكن أحب أن تكون لك شخصيتك ويكون لك تفكيرك حتي إذا كبرت يا بني وبلغت مبلغ الشباب وأعدت تلاوتها قد تنكر منها أشياء، وقد تقرأ أشياء فإذا بلغت مبلغ الرجولة وقرأتها مرة أخري قد تنكرها جميعاً وقد تقرها جميعاً، ولكنك لن تخطئ فيها فيض الحرارة التي أوحت بها. وقد كتبت عنك قبل الان ولكنك كنت طفلاً لا تقرأ وأنت اليوم تستطيع أن تقرأفأنا أوجه إليك ما أكتب وقد كنت إذ أنظر الي وجهك وأنت طفل، أسائل نفسي تري أي قدر سيكون لك؟ وكثيراً ما أشفقت عليك ورثيت لك، إنك ستطرق أبواب حياة ليس كل ما فيها يسر وإنك ستضطر راضياً أو مكرهاً أن تعدل عن كثير من المثل التي أحببت أن تنطبع في خاطرك. ولن تعرف يا بني إلا إذا كبرت فيض السعادة الذي يغمرني وأنا أكتب إليك قد يكون خيالك الان منصرفاً الي أشياء كثيرة قد تكون تفكر في دروسك الثقيلة أحياناً الرقيقة أحياناً في أترابك وأحلامك، في دنيا مناك وآمالك وقد يكون خيالي لا يدور بخاطرك إلا قليلاً ولست ألومك علي هذا فلست أرجو أن تتعلق بي تعلقاً شديداً فأنا شمس غاربة في أفقك يابني، سيأتي يوم - قريباً أو بعيداً - لا يبقي منها إلا الشفق. ظللت أنت مثار الدموع حينما أحب الدموع وملجأ العزاء حينما أحس بالحاجة الي العزاء. قصتي معك طويلة! إن قصتي معك طويلة يابني فكم ليلة بت مسهداً أبكي وأنت غارق في أحلام نومك وطفولتك أسأل ربي ماذا أنت وما ستكون وكيف أستطيع أن أفضي إليك حينما تكبر بقصة أمك التي ذهبت الي ربها وتركتك في كفالته وقد رعاك ربي كما رعاني، أفاض علي من نعمته لأنني أحببتك ووفيت لأمك وذكراها لم أدعك قط تحزن لم أدعك تشعر أنك فقدت أعز مخلوق عليك كانت الدمعة في عينيك ترعبني يا بني كنت أحسبها لا تجئ من مخلوق ولكن من ملاك كنت أحسبها كأنها دمعة من السماء وقد زادتني ظروفك حبا للناس وإشفاقاً عليهم لم أحبك أنت فقط ولكني أحببت كل طفل، أحببت كل رجل، أحببت كل أم ورثيت للناس جميعاً، أتسع قلبي يا بني فكنت آسو الحزن الحزاني وآلام المتألمين. وكم أرجو يابني أن يتسع قلبك أنت أيضاً فتحب كل الناس إياك أن تحقد علي أحد منهم، أن البشر ضعاف مساكين لا تكره الحاقد يحقد عليك، ولا المذنب يسئ إليك ولا اللص يسرق مالك ولا الخاطئ يغرق في الخطايا بل أرث لهم يا بني حاول أن ترفع عنهم ذنوبهم ما استطعت كن في حياتك بلسما ونورا ورحمة وسلاماً، إجعل المكان الذي توجد فيه يرفرف عليه الحب والنعمة والرضا فأنت لا تعرف ماذا يخبئ القدر لا يستخفنك الغرور ولا المال ولا الجاه ولا الصحة. إنها كلها عارية لك اليوم وغداً قد لا تكون أن الله يعطي والله يمنع لا تحسب أنك تملي علي القدر بل القدر هو الذي يملي علينا. حذار أن تكره إنساناً حتي ولو كان يكرهك، إن الكره ضعف وملايين من الناس يكرهون غيرهم ويحقدون عليهم ولكن قلائل جداً هم الذين يحبون كل الناس حتي الذين يكرهونهم كن أنت من هؤلاء القلائل أرتفع فوق نزواتك وشهواتك ونوازع الشر فيك نم الخير وعف عن الإساءة. كنت لك أبا وأما! وقد ساءلت نفسي قبل أن أبدأ بكتابة هذه الرسائل إليك أأفعل أم لا فقد تضللك أحياناً وقد تحزنك أحياناً ولست أحب لك ان تضل أو تحزن ولكنني آثرت أن أفعل فإن تضل أولي الخطوات للنجاح وأن تحزن أولي التجارب للتطهر والسمو. أحب أن تغفر يابني ما قد تثيره بعض هذه الكلمات في عينيك من دموع فلعلك تعرف القليل عن الظروف المحزنة التي جازت فيها أمك الي ربها الكريم بل لعلك لا تعرف منها شيئاً فقد كنت طفلاً في الثالثة حينما مرضت وكنت في نضارة طفولتك تلعب وتلهو غير مدرك ما تعانيه ولا ما أعانيه وقد حمدت الله أيامها أنك لا تدرك وأحمده الان ألف ألف مرة فقد أجتزنا المحنة وأنت تجري مع دبابتك أو قطارك وتسألني أن أري ما تفعل وأن أضحك وألهو معك وقد كنت أضحك وقلبي يبكي لا من أجلها فقد لاقت ربا رحيماً ولكن من أجلك أنت حينما تكبر وتلقي أترابك يأوون الي صدور حنونة ولا تجد أنت مثل هذا الصدر الحنون. وقد بذلت جهد استطاعتي أن أكون لك أبا وأما وأن أملأ الفراغ الذي خلفته تلك التي عاشت لك وكانت في حياتها زهرة عطرة فيها رقة الزهور وجمالها ولم أحدثك عنها قط يابني آثرت ألا أكسر قلبك ولكنني أصبحت أحس بواجبي في أن أحدثك عنها كي تحبها وتتذكرها أبداً ولم أكن أستطيع الا ان أفعل ذلك فإن لها في عنقي وعنقك دينا لابد ان نفيا به ولست أحب ان تذكرها بالدموع ولكنني أحب أن تذكرها بأن تصبح في مقبل أيامك جديراً بها وبأمومتها ولعلك لا تعرف يابني أنها لفظت أنفاسها الأخيرة بعيدة عنك وعني ولعلك لا تعرف ان اسمك ورسمك كانا آخر ما دار في خيالها أغمضت عينيها لست أعرف كيف، ولكنني أتصورها - وقد كانت تعبدك - تسأل ربك وربي أن يرعاك ويحرسك. وقد كنت طفلاً وكانت أما وكنت أنا لا أزال في مقتبل الشباب، من يدري؟ ماذا كان يساورها من خواطر لعلها حسبت أني سأجري كما يجري الشباب وأدعك لطفولتك وأدع نفسي لنزواتي ولكنني لم أفعل يابني وظللت أنت الخاطر والهناء لقد فقدت عطف أمك منذ طفولتك فنثر هذا علي وجهك نوعاً من السكون والحزن الكظيم وإني لأعرفه يابني وأن حاولت إخفاءه ولكنك تستطيع أن تحول هذا الحزن الي مسرة عظمي إذا عرفت كيف تحب الناس جميعاً. والدك لحظات هناء.. الثلاثاء: في الحياة لحظات ننسي فيها الحياة، مرت علي بعض هذه اللحظات أمس ارتفعت عن الحقد والغضب عن الياس والأمل عن كل الصغائر التي تعبث بنا فتجعلنا عبيداً لها. عشت لذكرياتي وهنائي وكان النهار يتولي في بطء والمساء ينشر ظلاله في خفوت وحنان ولاح لي ان حجابا يفصلني عن الحياة ويرفعني الي ما هو أسمي، وراح الخاطر يهنأ ويسعد وراحت النفس تنضو أحزانها وخال لي أني أجني ثمار الألم الذي عانيت والهناء الذي وهبت، أحسست الماضي كأنه أشباح تتحرك وتتكلم وكأنني اندمج فيها، فأصبح منها وتصبح مني وكأني اهتف معها بدعاء الحياة والسلام. أي نعمة تلك التي شملتني في هذه اللحظات أي يد ارحم وأرفق منها؟ لقد خال لي أنها تلفني بين ذراعيها وأني ارتد في أحضانها طفلا لا يعرف من الحياة الا الافراح والأحلام. مباركة هذه الظلال السعيدة الباقية من الماضي، هذه الأنوار الخافتة التي تظل في أفق بعيد مثار الذكري والحنين نلجأ إليها في لحظات اليأس والغضب فتشملنا بالهناء والغفران وتمنح أرواحنا العزاء والسلام. القلب يستقبل الربيع الاربعاء: هي: ها هو الشتاء يكاد يذهب ببرودته وكابته.. وها هو الربيع يستعد للقدوم بزهوره وابتسامه.. ها هي الأوراق التي سقطت من الأشجار توشك أن تنبت.. ها هي الأزهار التي ذبلت واختفت توشك ان تتفتح.. ياله من كون عجيب لا شئ فيه يدوم علي حال، تري هل القلب.. مثل الشجر.. يغير أوراقه؟ هو: اراك اليوم متشائمة، علي غير عادتك.. ابتسامتك الحلوة ابحث عنها بين شفتيك.. فلا اجدها! هي: هذا التغيير الذي يحدث من حولي يؤرقني ويقلقني.. ويجعلني اشعر انني غريبة في هذا الكون. هو: أبهذا الشعور تستقبلين الربيع، بكل ما يحمله من زهور وورود؟ هي: أحيانا افقد الامل في الحياة!! هو: الأمل موجود في نفوسنا ما دمنا في الحياة نتنفس ونعيش.. ومادامت هناك حياة.. فلابد ان يكون فيها ربيع. هي: قلبي يرتجف من شدة الخوف كلما احسست ان حبنا يكبر ويكبر، وارتباط كل منا بالآخر يقوي ويقوي يزداد خوفي. هو: الحب هو ينبوع السعادة والطمأنينة، وليس مصدرا للخوف والقلق. هي: واذا فرغ هذا الينبوع يوما؟ هو: كيف يفرغ وقد وهبتك قلبي حتي آخر نبضة فيه. هي: الانسان يتغير.. لا شئ ثابتا في الحياة. هو: المثل والمبادئ والأخلاق لا تتغير. هي: وما علاقتها بما بيننا؟ هو: انها الاساس الذي قام عليه حبنا. هي: مشكلتي انني امرأة عاطفية.. قلبها يسيطر عليها.. واحلامها هي زادها وخبزها. هو: الخيال قد يفسد الحب احيانا.. والمرأة الخيالية يجب ان تكون واقعية في بعض الأوقات. هي: ليتني استطيع ان اعيش فترات، ولو قصيرة في الواقع، حتي يغمر السلام قلبي ونفسي. هو: حاولي ان تنظري الي الحياة بشئ من البساطة.. لا تعادي الامور وكلما احسست بالقلق يتسرب الي نفسك.. تذكري دائما ان السلام ينبع من شئ بسيط.. من كلمة واحدة.. هي الحب!! فكرة للتأمل: كان يقال في الماضي ان وجه المرأة هو ثروتها.. والأن أصبح ثروة شركات التجميل!!