محدد المعني.. وهذا شأن العلماء، عميق الفكرة.. وهذا حال المفكرين، محكم الصياغة.. وهذا وضع المبدعين، ذلكم هو الدكتور عمرو شريف أستاذ ورئيس أقسام الجراحة الأسبق بجامعة عين شمس. أتابع تجليات هذ العالم في مؤلفاته ومحاضراته وأحاديثه، فيتأكد لي معتقدي الخاص بأن العلماء هم من ثلة أولياء الله الصالحين في هذا الكون بأعمالهم وأفعالهم ونظراتهم ونظرياتهم وأفكارهم الذي تخترق الزمان والمكان والإنسان. يتجلي المشروع الفكري والعلمي للدكتور عمرو شريف في ضياء العلاقة بين العلم والدين والفلسفة، من أجل ذلك وضع علي رفوف المكتبة العربية سبعة مؤلفات: (أبي آدم من الطين الي الإنسان) يحمل رؤية جديدة لنشأة الإنسان عن طريق التطور الموجه، وكتاب (رحلة في عقل عبد الوهاب المسيري الفكرية) ذلك المفكر الموسوعي المعروف، وكتاب (المخ ذكر أم أنثي) وفيه يبين الفوارق التشريحية بين مخ الرجل ومخ المرأة، وكتاب (رحلة عقل) يعرض كيف قاد العلم أشرس الملاحدة في القرن العشرين (انتوني فلو) الي الايمان، ويشرح البراهين العقلية الدالة علي التواصل بين السماء والأرض، وكتاب (كيف بدأ الخلق) ويقدم فيه قراءة معاصرة علمية إيمانية لقصة خلق الإنسان في القرآن علي ضوء حقائق العلم، ثم قدم قبل أيام كتابيه الجديدين (ثم صار المخ عقلا) يطرح فيه بنية المخ وآليات قيامه بوظائفه ويشرح الطريقة التي يميز بها الملكات العقلية، ويحلل دور العقل في المشاعر الروحية والدينية، وهو الدور الذي أدي حديثا الي نشأة علم البيولوجيا العصبية للدين، ثم كتاب (الطب المصري القديم) ترجمه د. عمرو شريف بالاشتراك مع د. عادل وديع فلسطين للمؤلف (جون إف. نن) أستاذ التخدير ببريطانيا والذي يجمع بين الطب وعلوم المصريات واللغات المصرية القديمة، ويعد هذا الكتاب في منظور الباحثين أحد أفضل خمسة كتب عن مصر القديمة، وقد رتل المترجمان نصوص هذا الكتاب فجاءت في تشكيل موسوعي. في صومعته يفكر ويكتب، وفي صمته ينشر ويحاور العقل الإنساني، يتابع محدثات الأمور العلمية وتنزلات الومضات الدينية، دعاه الكاتب الكبير أنيس منصور قبيل رحيله لزيارته في بيته ليتعرف عليه وهو الذي كتب عنه قبل أن يراه، حضرت هذ اللقاء الذي شارك فيه أيضا اللواء أركان حرب د. فريد حجاج، ونشرته في صفحتين ب (الأخبار) وكان محوره الدين والعلم والفلسفة والإلهيات، يومها أشار عمرو شريف وتواصل معه أنيس منصور الي ضرورة تجديد الخطاب العلمي الذي يحتاج وقفة، فهو اللغة التي يفهمها إنسان القرن الحادي والعشرين في جميع دول العالم، وسبحان من أخبرنا بهذا منذ أربعة عشر قرنًا:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد) فلا ينبغي أن يكون موقف المتدينين تجاه ما يتوصل إليه العلم، هو الرفض، والرفض فقط، لكل ما يخالف فهمهم، خاصة وأننا في هذا الطور الحضاري مقصرون في تحصيل العلم والمعرفة. وفي هذا السياق قال أنيس منصور انه برغم تعدد النظريات والفلسفات والقضايا فان عمرو شريف بسبب علمه واقتداره استطاع ان يوجهها وان يمر بها، وان يؤكد في نفس الوقت روعة ماجاء في القرآن الكريم الذي هو حقيقة علمية. ولنا مع استقطار فكر د. عمرو شريف ورحيق أفكاره وقفة مديدة، بمرجعياته المعرفية والعرفية والأخلاقية والجمالية. تبقي الاشارة الي الناشر المثقف (عادل المعلم - صاحب دار الشروق الدولية) التي تتبني مؤلفات هذا العالم المفكر في شكل طباعي رفيع المستوي يتكافأ مع المضمون الثمين، لمنظومة فكرية علمية أتمني لها الازدهار والاستمرار والاستقرار. نفسي الأمارة بالشعر: أتظن يا "حجاج " أن رؤوسنا قد أينعت أيضا وحان قطافها؟ أتظن أنك يا "ابن يوسف" خالع منا القلوب وقاطع أطرافها؟ لا يرجل.. لثم جبينك وارتجل: "أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متي أضع العمامة تعرفوني" من غير أن تضع العمامة نعرفك سيان ألا نسمعك أم نسمعك!