جيمس هنري برستد مستشرق معروف له كتاب رائع اسمه فجر الضمير.. ترجمه الدكتور العلامة سليم حسن.. ومعني فجر الضمير اي بداية نمو الضمير الانساني ومعرفته للاخلاق وتطوره من الغريزة المحصنة الي ما يصح وما لا يصح. يقول الكاتب في مقدمة كتابه الشهير »لقد حفظت في طفولتي مثل اخواني من الصبية »الوصايا العشر« وتعلمت ان احترمها لانهم اكدوا لي انها انزلت من السموات علي موسي أي انها مقدسة.. ولقد كانت اكثر التجارب ألما لنفسي وانا مازلت مستشرقا في بدايتي ان اكتشف ان المصريين القدماء كان لهم مقياس خلقي اسمي من تلك الوصايا العشر وان هذا المقياس ظهر قبل ان تكتب تلك الوصايا بألف سنة« انتهي كلام برستد ليبدأ كلامي أنا.. ان الكلمة التي قالها برلسكوني عندما بهرت الثورة المصرية العالم وهي ما الجديد.. المصريون يصنعون التاريخ.. كلمة حقيقية وما يحزنني الان اننا المصريون وفي خلال سنة واحدة فقط تغيرنا كثيرا من الايمان المطلق بقدرتنا علي الثورة والتغيير الي الشك المطلق في نجاح أي شيء.. اصبحنا نشك في بعضنا البعض وتحولت ديمقراطية الخلاف المهذب والمحترم الذي وجدناه في الميدان الي مشاحنات وملاسنات وشتائم بذيئة يستوي في ذلك المثقف والجاهل والليبراليون ورجال الدين حتي ليحس كل منا في بعض الاوقات انه يريد الهروب من كل هذا اللجاج الرهيب والتخوين المستمر ونظرية المؤامرة التي تطول كل شيء.. عمرو موسي متهم بأنه يمت بصلة المصاهرة مع اشرف مروان وكأن هذه جريمة.. وفلان الفلاني رأوه مرة وهو يجلس مع انس الفقي.. وكأن انس الفقي لم يكن وزير الاعلام المصري، لقد ظل حسني مبارك في الحكم 03 عاما ولابد ان أي انسان مصري تخطي الاربعين من عمره وعمل في السياسة أو الاعلام أو الثقافة تعامل بشكل أو بآخر مع اركان هذا النظام فهل نستورد شعبا آخر أم نعدم من هم فوق الاربعين. هناك اشياء تستدعي الانتباه ويجب التفكير فيها بعمق كي نحاول الوصول الي نتائج فهل الضجة المثارة حول اشياء تبدو بالنسبة لكم المشاكل الرهيبة التي تحيط بالوطن والمواطن تافهة أو لنقل أقل اهمية.. مثلا استكبار النائب زياد العليمي عن الاعتذار تجاه المشير رغم انه ذهب للشيخ محمد حسان واحتضنا بعضهما لبعض كأنما حررا القدس ولست في مجال الكلام عن واجب الاعتذار ولكنني أتكلم عن الصيغة فهل تكفي اولا.. ثم تحويل الموضوع برمته الي لجنة لغة عربية أي والله لنعرف مدلول الكلمات وماذا تعني وهل قصد أو لم يقصد.. أليس كل هذا هزلا يصل لحد الكوميديا السوداء ثم مطالبة مجموعة من النواب بمعاملة النائب مصطفي بكري بالمثل في اتهامه للدكتور المحترم البرادعي بالعمالة ثم دفاعه متلاعبا أيضا بالالفاظ ثم انتصاره الساحق علي اعدائه في البرلمان وتأييد التيار السلفي له وصورته وهو يقبلهم ويرفع علامة النصر الشهيرة كأنما حرروا القدس ايضا.. ما كل هذا التخلف الذي نعيش فيه.. وهل كل هذا الجلب الاعلامي لاشياء خارجة تماما عن جوهر الثورة ومصلحة الوطن مقصود مثلما كان يفعل النظام السابق في مشكلة الجزائر ومباريات الكرة. لقد تحولنا جميعا لمجموعة من المجانين فعلا لا مجازا واصبحت الحياة بلا طعم ولا لون ولا رائحة وكلما مرت الأيام دون حادث مأساوي نضع ايادينا علي قلوبنا خوفا من القادم فقد فقدنا البوصلة تماما.. واتحدي اي عبقري ممن يصدعون رءوسنا في القنوات ان يقول كلاما في تحليل ما نحن فيه دون ان يقع في دائرة التناقض أو يمكن ان يتقبله العقل حتي انتخابات رئاسة الجمهورية وازدياد عدد المرشحين تحول الي نكتة سخيفة بل مسخرة.. احس اننا نعيش في حلقة ذكر داخل احد الموالد حيث الفتوات والبلطجية وحاكمي المكان ولاعبي الاكروبات والراقصين والراقصات.. والآكلين علي كل الموائد والنصابين ولاعبي التلات ورقات.. اما الجمهور الذي يدفع قوت عياله فهو هذا الشعب الذي يضحكون عليه بقطعة ملبن أو ببدلة رقص تلمع من الترتر الرخيص ولكن هل يستمر الوضع علي ما هو عليه. اعتقد ان لكل شيء نهاية وعندما نفقد البوصلة »ونتزبط« في متاهات لا نهائية فلا نعرف الصالح من الطالح ولا العدو من الصديق.. وعندما نظن انه لا أمل يظهر الأمل من وسط الناس الذين نعتقد انهم نائمون.. اعتقد اننا في اشد الحاجة لان نصمت قليلا ونتدبر قليلا ونطلب من السادة السياسيين والخبراء الاستراتيجيين والمثقفين التنظيريين ان يستريحوا في بيوتهم ولقد أخذتم ثمن ظهوركم المستمر نقودا وشهرة ما كنتم تحلمون بها فأرجوكم استمتعوا بها واتركوا المصريين البسطاء الفقراء والمثقفين الحقيقيين يبحثون عن طريق الخلاص نحو غد أفضل فالحقيقة أنكم حجر عثرة في طريق هذا الشعب.