لم تتحرك قوات الأمن الإسرائيلية لمنع اليهود المتطرفين من محاصرة بيت رئيس الحكومة آنذاك »إسحق رابين« والهتاف ضده واتهامه بخيانة إسرائيل والتحالف مع أعدائها الفلسطينيين، عندما صافح »رابين« »عرفات« بعد التوقيع علي اتفاق إعلان المباديء بين الجانبين في سبتمبر1993! فزعت زوجة رئيس الحكومة »ليا رابين« من صيحات المحتشدين أمام منزلها التي تهدد زوجها بالموت عقاباً له علي خيانته! اتصلت »ليا« بالشرطة لتوفير الحماية لأسرتها وبيتها، لكن الشرطة لم تهتم، والنجدة لم تصل! الإهمال الجسيم، والمريب، في توفير الحماية لرئيس الحكومة وأسرته ومنزله، لم ينفرد به جهاز الشرطة الإسرائيلية، وإنما كان مماثلاً لنفس موقف التخاذل، واللامبالاة الذي وقفه جهاز المخابرات الداخلية: »شاباك« من التهديدات العلنية بقتل رئيس الحكومة، رغم أنه الجهاز الذي يبالغ البعض في تمجيده لدرجة وصفه بأنه يسمع »دبة النملة«، ويعرف ما في القلوب، وداخل العقول! كثيرون أرجعوا الإهمال المتعمد من أجهزة الأمن في حراسة وحماية رئيس الحكومة، إلي أن قيادات جهاز الشرطة، وجهاز المخابرات الداخلية: يمينية الهوي، ومعادية تلقائياً للتيارات اليسارية، ولحزب العمل الذي ينتمي إليه:»إسحق رابين« بصفة خاصة. وتتضاعف الريبة عندما لاحظ الكثيرون أن حزب رئيس الحكومة: »ماباي«.. وقف بقياداته وكوادره موقف المتفرج، الصامت، لما يتعرض له رئيسه من شتائم، واتهامات، وتهديدات بالقتل! كأن الرجل ليس رئيس الحزب، أو كأن القيادات والكوادر الحزبية لا تعارض ولا تمانع في اغتيال رئيسهم؟! صمت الحزب لم يكن لساعة أو يوم.. وإنما استمر لأكثر من شهر كامل علي انتشار المسيرات في الشوارع تندد برابين، وتتهمه بالخيانة العظمي، وتتوعده بالنار والموت في أقرب فرصة! وكان يمكن أن يطول الصمت لأكثر من شهر لولا الانتفاضة التي قام بها أعضاء الحزب ضد قياداتهم، وطالبوها بالتصدي للأحزاب اليمينية، والالتفاف حول »رابين« لحمايته، والدفاع عنه: »بالنار، والدم«.. علي حد هتافاتهم. وتفتق ذهن قادة حزب العمل، و قيادات الأحزاب المتآلفة معه، عن أن وسيلة الرد المفحم، الساحق، الماحق، علي اتهامات وتهديدات أحزاب اليمين المتطرف .. تحتم الدعوة إلي حشد الجماهير في أشهر ميادين مدينة تل أبيب »ميدان ملوك إسرائيل« في لقاء شعبي، غير مسبوق من حيث ازدحامه، تحت شعار» لقاء من أجل السلام«.. يجدد البيعة ل »بطلي السلام«: »إسحق رابين«، و»شيمون بيريز« وتأييد ما بذلاه من جهد وصبر.. إلي أن توصلا إلي اتفاق »إعلان المباديء« مع الفلسطينيين، والتوقيع عليه في واشنطون .. تحت رعاية الرئيس »كلينتون«.. و تصفيق، وتهليل: »ياسر عرفات«. اللجنة العليا التي شكلها حزب العمل لتخطيط، وترتيب، »لقاء السلام« .. وافقت بالإجماع علي بذل وتجنيد كل ما في استطاعة وإمكانيات الحزب من أجل حشد أكبر عدد ممكن من الأعضاء، وأنصار السلام علي مختلف انتماءاتهم الحزبية، إلي جانب توجيه الدعوة للرموز الفلسطينية المؤيدة لعملية السلام، من جهة، ودعوة ممثلي الدول العربية المعتمدين في تل أبيب .. من السفراء العرب: المعلومين والمجهولين.. معاً! أمام قائمة الشخصيات العربية المنتظر دعوتها للمشاركة في اللقاء الشعبي الكبير حدث جدل شديد بين أعضاء اللجنة المنظمة بالنسبة لإسم الزعيم الفلسطيني »عرفات« المتحدث الأوحد باسم الشعب الفلسطيني.. كما يحب تقديم نفسه فهناك من أيد دعوته، مقابل الذين رفضوا مشاركته ليس كراهية في شخصه وإنما لأن مجرد ظهوره وسط ميدان »ملوك إسرائيل« سيثير غضب وحنق اليمين المتطرف الذي ينظر إلي »عرفات« بنفس نظرته لأي إرهابي آخر(..). وانتهي الجدل بعد الرجوع إلي حكماء الحزب وأعلي قياداته الذين أيدوا الرأي بعدم توجيه الدعوة لعرفات.. وتعهد »شيمون بيريز« بإنه سيقنع صديقه، وشريكه في عملية السلام:»ياسر عرفات« بعدم الحضور لأسباب أمنية بحتة. تقرر تحديد مساء يوم 4نوفمبر 1995 موعداً لتجمع مئات الآلاف في ميدان ملوك إسرائيل والشوارع من حوله لإحياء عرس السلام.. والاحتفاء ب »بطل السلام الإسرائيلي« : إسحق رابين. .. وللحديث بقية.