د. محمود عطية المرض ليس حكرا علي الأفراد فقط كما يظن البعض.. فكما يتعرض الإنسان للمرض الجسدي والنفسي تتعرض الدول والمجتمعات للأمراض ذاتها.. ويري علماء النفس والاجتماع أمراض المجتمع وأوجاعه تتبدي فيما يحدث من خروج عن قيم المجتمع الإنسانية في التراحم والعمل الجماعي لصالح المجموع وتسود روح الفردية وفلسفة (ياله نفسي ومن بعدي الطوفان)..! وتتجلي عملية الخروج عن نواميس المجتمع وعاداته في استحواذ فئة قليلة علي كل ثروات المجتمع ومحاولة سيادة الرأي بالقوة مما يزيد معدلات نسب الاضطرابات والجريمة بالمجتمع.. ولعل من أبرز العوامل المؤدية لمرض المجتمع هو العمل علي فرض لون من الحياة لا يتماشي مع الطبيعة الإنسانية لأفراده نتيجة لاستحواذ فئة علي ثروات المجتمع فتوصد أبواب الرزق الشريف أمام أفراده وتندر فرص العمل به ولا يتبقي أمام أفراده سوي خيارين مريضين..! الأول الاندفاع في الخروج عن قيم المجتمع بالكسب غير الشريف تعويضا عن سد باب الرزق الشريف وتصبح الرشوة إكرامية بكل صورها المتعددة ولا يعاقب عليها القانون.. ومن لايصيبه الحظ بالرشوة يمتطي جواد السرقة تحت لافتات أيضا عديدة يخترعها المجتمع المريض.. والخيار الثاني انسحاب أفراد المجتمع من الحياة الاجتماعية والهروب من متطلبات الواقع بالمخدرات مثلا أو بالأمراض النفسية من اكتئاب إلي قلق وانزواء..! ويحذر القانونيون من هذه الأمراض المجتمعية بان سلوك أفراد المجتمع المريض يعود بالضرر علي الفرد وعلي المجتمع ذاته.. ويفسرون عدم جدوي العقاب في المجتمعات المريضة بأن فلسفة العقاب في هذه المجتمعات لا تقع بسبب الجريمة في حد ذاتها.. ولكن لأن المعاقب خرج عن فلسفة المجتمع المريض.. وهنا تضيع فلسفة العقاب التي تهدف لتقويم الفرد وإصلاحه وإعادة تأهيله مرة ثانية حتي يكون فردا صالحا في المجتمع. ويوافق الاقتصاديون علي أن أسباب مرض المجتمع يكمن في سوء الحالة الاقتصادية التي تنتج العديد من المشكلات مثل الفقر والبطالة والفشل المتلاحق لخطط التنمية وسوء التوافق المهني لأفراد المجتمع.. حتي أنهم يربطون بين ما يسببه سوء الاقتصاد من فقر وانحراف المجتمع.. ويدللون علي ذلك بأن اغلب نزلاء السجون من اصل فقير والفقر يولد العديد من المشكلات الحياتية. وهنا تصبح بيئة المجتمع مريضة وتحتاج من يعالجها.. والمجتمعات المريضة عادة تحتاج إلي علاجات حاسمة باترة وإلا تعرض المجتمع للانحلال والاضمحلال والتلاشي.. من هنا اخترعت الشعوب العلاج الثوري كأحد أهم العلاجات وهو يمثل العلاج بالصدمات الكهربائية.. وبالثورة يهتز ويضطرب جسد المجتمع كأن الروح تنتزع منه بالقوة ويتصور البعض ان المجتمع بهذا العلاج الثوري سوف يسقط جثة هامدة ويضيع.. ويتمني لو عاد المجتمع سيرته الأولي خوفا عليه من العلاج بالثورة ومضاعفاته! لكن الحقيقة ان الثورة علاج للعديد من الأمراض المجتمعية التي تفشت في جسد المجتمع كفيروس خبيث عصي علي العلاجات والإصلاحات التقليدية..لان الفيروس يتحول ويتبدل مع العلاجات العادية بل ويكتسب مناعة من العلاجات الاعتيادية ويقوي ويكون اشد خطرا علي أفراده.. من هنا لا يستطيع شفاء المجتمع وإعادته سيرته الأولي سوي الثورة ومفعولها السحري.. لكن ربما ما يدعو للانزعاج أن من يقوم بالثورة يبدو اشد هياجا وقوة ولا يرضي ولا يرتضي بغير العلاج الناجع والناجز والسريع لجميع مرافق المجتمع ولا يتصور كما يحاول البعض ان يوهمه ان جسد المجتمع لا يتحمل العلاج السريع الباتر.. ويشرح له خططا غير ثورية لعلاج مفاصل المجتمع التي أكلها السوس. فيتعجب الثوري كيف يمكن علاج مجتمع نخر السوس في أوصاله بالعلاجات التقليدية والخطط الخمسية والعشرية.. وتتنازع إرادة العلاج الثوري مع إرادة العلاج التقليدي وتزهق الأرواح الغالية خلال العلاج وحتما سيشفي ويتعافي جسد المجتمع وروحه وان طال العلاج.. ولا عجب ان قلنا ان الدول والمجتمعات تمرض كما يمرض بنو البشر ولا علاج سوي الثورة وان كانت مليئة بتضحيات الأوراح الذكية..!