لماذا المطالبة بسرعة تسليم المجلس الاعلي للقوات المسلحة السلطة التي يدير بها شئون البلاد الي جهة مدنية والعودة الي ثكناته العسكرية؟ ولماذا الالحاح من جانب بعض القوي السياسية علي عدم الانتظار حتي استكمال باقي الخطوات وانتخاب رئيس الجمهورية وتسليمه السلطة في يونيو القادم؟ ولماذا الإنكار والجحود لدور القوات المسلحة في حماية ثورة يناير وانحيازها الي الشعب منذ البداية ولماذا القول بإنهاء »حكم العسكر«؟. ان القوات المسلحة لم تسع الي الحكم ولم تحاول القفز الي السلطة بانقلاب عسكري، وانما حرصت علي اداء المهمة التي اسندت اليها وهي ادارة شئون البلاد بكل المسئولية والامانة والتجرد وكذا الحرص علي مصلحة الوطن.. ولذلك قام المجلس الاعلي بوضع »خارطة الطريق« التي تحدد المسار في الفترة الانتقالية وصولا الي اهداف محددة وهي: اجراء انتخابات حرة ونزيهة لمجلسي الشعب الشوري ووضع دستور جديد وانتخاب رئيس الجمهورية!. ولكن يبدو ان جهات خارجية وعناصر داخلية تريد عن عمد تشويه مهمة المجلس العسكري والاساءة الي العلاقة بين الجيش والشعب التي تجلت في الالتحام الوطني بينهما علي مدي ايام الثورة.. ومن الانصاف ان نذكر لأعضاء المجلس جهدهم الذي أدي الي نجاح الانتخابات وانعقاد مجلس الشعب الجديد والمضي في اجراء انتخابات مجلس الشوري لارساء قواعد حياة ديمقراطية سليمة.. رغم ثقل الاعباء الملقاة علي عاتقهم الي جانب المهام الاساسية الخاصة بالقوات المسلحة.. ولم يحاول المجلس الاعلي الالتفاف من حول »خارطة الطريق« التي يلتزم بها او ان يحيد عنها وانما يمضي في تنفيذ بنودها حسب التوقيتات المحددة. ولذلك فإنه من غير اللائق ان ترتفع الاصوات التي تطالب بتسليم السلطة للمدنيين فورا وبينما لم تحدد الجهة التي يمكنها القيام بهذه المسئولية قبل انتخاب رئيس الجمهورية، وبعد ما كان الشعار المرفوع في بداية الثورة »الجيش والشعب ايد واحدة« يريد البعض افتعال »ازمة ثقة« بينهما برغم الدور الوطني الذي يقوم به المجلس العسكري في الفترة الانتقالية.. ولا اتصور ان الشعب يرضي بهذا التشويه والاساءة الي العسكرية المصرية والرجال الشرفاء الذين قبلوا بتحمل المسئولية التي لم تكن في حسباتهم وذلك حرصا منهم علي سلامة الوطن بعدما انهار النظام وسقط رئيس الدولة.. وهكذا كانت دائما العسكرية المصرية عند مستوي المسئولية وقت الحاجة اليها!. ولكن هناك عناصر داخلية مدفوعة طبقا لاجندات موضوعة للتشكيك في نوايا المجلس الاعلي والوقيعة بين الجيش والشعب، وهناك جهات خارجية تعمل طبقا لمخططات معادية لاجهاض ثورة يناير وانهيار مصر حتي لا تكون نموذجا للديمقراطية في المنطقة.. واذا كان من لديهم بعض التحفظات علي اداء المجلس العسكري فلابد من التماس العذر والانتظار الي حين تسليم السلطة في يونيو القادم خاصة بعد ان سلم المجلس الاعلي السلطة التشريعية لمجلس الشعب وأوفي بوعده. ومعني ذلك ان المجلس العسكري لا يتشبث بالسلطة ولايريد الاحتفاظ بمسئوليتها، ولكنه يتمسك بالمضي في خارطة الطريق الي غايتها حتي لا تحدث انتكاسات ولا تحيد الثورة عن اهدافها.. وحتي لا يقع الوطن في قبضة الفوضي والمحرضين خاصة ان هناك عناصر البلطجية المندسين مازالت موجودة في الشارع وتتحين الفرصة للانقضاض مقابل الدولارات المدفوعة لهم والقيام بالتخريب. وفي اعتقادي ان العقلاء من الشباب وغيرهم لابد ان يدركوا هذه المخاطر من القفز الي المجهول ويتفهموا أن تخلي المجلس العسكري عن مسئوليته قبل انتخاب رئيس الجمهورية يمثل خطرا علي الثورة واستقرار الوطن.. وأما ان تنطلق الدعاوي المغرضة بما يسمي »حكم العسكر« فإنه يخرج عن حدود اللياقة والتقدير وعدم الوفاء للقوات المسلحة التي التزمت بحماية الثورة والانحياز لمطالب الشعب!. ان المشير حسين طنطاوي القائد العام رئيس المجلس الاعلي اراد ان يبعث برسالة الي اعضاء مجلس الشعب الجديد مؤداها ان المجلس الاعلي ليس طامعا في السلطة وانه يؤدي دوره ويسلم الامانة السلطة التشريعية الي اصحابها، حينما لم يذهب الي البرلمان لحضور جلسة الافتتاح ويلقي الكلمة بنفسه لانه ليس رئيس الجمهورية وانما يمثل المجلس الاعلي الذي يدير شئون البلاد.. وكانت الرسالة من المشير طنطاوي الي المجلس تعبر عن معاني عميقة ودلالات لها مغزي: 1 لقد تعهد المجلس الاعلي للقوات المسلحة المصرية منذ تولي ادارة شئون البلاد بأن يسلم الحكم الي سلطة مدنية منتخبة عبر عملية ديمقراطية حرة، وها نحن اليوم نعلن لكم تسليم سلطة التشريع والرقابة من المجلس الاعلي الي مجلس الشعب. 2 اؤكد لكم باسم المجلس الاعلي ان ايادينا محدودة لنعمل سويا صفا واحدا تحت رأية هذا الوطن الغالي خلال ما تبقي من الفترة الانتقالية المؤمنة من اجل النهوض بمسئوليتنا تجاه هذا الشعب العظيم وتحقيق اهداف ثورة يناير بالعدالة والعيش الكريم. 3 اننا نتطلع الي استكمال مهمتنا كما بدأناها بإخلاص وشرف واكمال التعهدات التي التزمنا بها وتوافقنا عليها عبر اجراء انتخابات مجلس الشوري لاختيار اعضاء الجمعية التأسيسية من جميع اطياف الشعب المنوط بها وضع دستور يليق بمصر ويعبر عن آمال شعبها ويؤسس للجمهورية المصرية الثانية. 4 اننا نتوق الي اليوم الذي يقف فيه رئيس الجمهورية المنتخب تحت قبة البرلمان يؤدي القسم قبل نهاية يونيو المقبل لنعلن تسليم رئيس الجمهورية كاملة وبذلك قد اوفينا بالقسم وادينا الامانة ليعود الجيش الي مهامه في الدفاع عن الوطن وينشغل المجلس الاعلي بمهمته الاصلية دون غيرها. 5 اننا علي يقين من انكم ستضعون في مقدمة اولوياتكم اصلاح احوال البسطاء والكادحين من ابناء هذا الشعب الذي قامت الثورة من اجلهم ورفعت مطالبهم الي صدارة اهدافها لكي ينالوا نصيبهم من العيش العادل!. ولعل في تلك الكلمات المتجردة يجيء الرد علي الذين يطالبون برحيل »حكم العسكر« وليتهم يفهمون!.