تشترط ديمقراطيات بعضها راسخ القدم وبعضها يخطو خطواته الاولي مشاركة نسبة معينة ممن لهم حق التصويت في أي انتخابات أو استفتاءات حتي يمكن القبول بنتائجها باعتبارها ممثلة لرأي أغلبية الشعب. إذ ليس متصورا مثلا الا يشارك أكثر من عشرة في المئة من جموع من لهم حق الانتخاب ثم يقال إن الشعب قد اختار. المشهد بين تدفق ملايين المصريين منذ شهرين فقط علي مقار انتخاب أعضاء مجلس الشعب وبين الخطي المتثاقلة للعشرات في انتخابات مجلس الشوري التي جرت مرحلتها الاولي هذا الاسبوع صادم وكاشف في الوقت نفسه. صادم لان الارقام الاولية تتحدث عن نسبة مشاركة في حدود عشرة في المئة مقارنه بأكثر من خمسين في المئة في انتخابات مجلس الشعب. وكاشف عن أن نسبة التصويت في انتخابات مجلس الشوري بأي معيار ديمقراطي تعني التصويت ضد وجود المجلس أساسا. الدعوات الي إما إلغاء مجلس الشوري أو تعديل اختصاصاته بحيث يصبح مجلسا أعلي ذا صلاحيات تشريعية مثل مجالس الشيوخ في أمريكا وفرنسا واليابان وغيرها قديمة ومتكررة. وقد كان لدي مصر مجلس للشيوخ في ظل دستور 1923 وظل قائما حتي الغاء هذا الدستور بعد ثورة 1952 وليس هناك ما يمنع من عودته في ظل الدستور الجديد. أما مجلس الشوري الذي عبر الشعب عن رأيه فيه في انتخابات هذا الاسبوع والتي لا يتوقع ان تتغير وتيرتها في المرحلة الثانية والاخيرة في منتصف الشهر فقد كان وسيلة لجأ اليها الرئيس الراحل أنور السادات بحثا عن جهة تكون مالكة لصحف الدولة المسماة مجازا بالقومية او الحكومية بعد الغاء الاتحاد الاشتراكي العربي الذي عهد اليه الرئيس عبد الناصر بملكية هذه الصحف بعد الغاء الاتحاد القومي الذي كان يقوم بذلك في اعقاب قانون تنظيم الصحافة عام 1960 . استخدم المجلس ايضا مكانا لمنح حصانة لوزراء سابقين كان يمكن ان يتعرضوا للمساءلة لولا ذلك. ذلك لا يغمط أعضاء مجالس الشوري السابقة جهدهم في اعداد دراسات ذات قيمة، لكن الناس لا تنتخب أشخاصا لوضع دراسات وتقارير والشعب لا يتكبد من ميزانيته مليار جنيه من أجل مجلس استشاري في المقام الاول. إما مجلس بصلاحيات وإما بلاش والمثل يقول ما يحتاجه الشعب يحرم علي الشوري.